فصل: قَسْمُ النِّسَاءِ إذَا حَضَرَ السَّفَرُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَجْلاَنَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ عَلَى مَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَيْنِ إذَا حَبَسَهُمَا فِي عَمَلٍ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَيَكْسُوَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ رَقِيقِ بَلَدِهِمَا الشِّبَعُ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ مِنْ أَيِّ الطَّعَامِ كَانَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَانَ لاَ يُسَمِّي ضَيِّقًا بِمَوْضِعِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْجَوَارِي إذَا كَانَتْ لَهُنَّ فَرَاهَةٌ وَجَمَالٌ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُنَّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ مِنْ كِسْوَةِ اللَّاتِي دُونَهُنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْمَمْلُوكِينَ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا كَلاَمٌ مُجْمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَوَابِ فَسَأَلَ السَّائِلُ عَنْ مَمَالِيكِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَأْكُلُ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ أَدْنَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَيَلْبَسُ صُوفًا أَوْ أَدْنَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ فَقَالَ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَكَانَ أَكْثَرُ حَالِ النَّاسِ فِيمَا مَضَى ضَيِّقَةً وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ اتَّسَعَتْ حَالُهُ مُقْتَصِدًا فَهَذَا يَسْتَقِيمُ قَالَ وَالسَّائِلُونَ عَرَبٌ وَلُبُوسُ عَامَّتِهِمْ وَطَعَامُهُمْ خَشِنٌ وَمَعَاشُهُمْ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِمْ مُتَقَارِبٌ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ حَالُهُ هَكَذَا وَخَالَفَ مَعَاشَ السَّلَفِ وَالْعَرَبِ وَأَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ لُبْسُهُ الْوَشْيَ وَالْخَزَّ وَالْمَرْوِيَّ وَالْقَصَبَ وَطُعْمَتُهُ النَّقِيَّ وَأَلْوَانَ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَالطَّيْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ مَمَالِيكَهُ وَيَكْسُوَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لِلْمَمَالِيكِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً فَلْيُنَاوِلْهُ إيَّاهَا أَوْ يُعْطِهِ إيَّاهَا أَوْ كَلِمَةً هَذَا مَعْنَاهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً» كَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَوْلاَهُمَا بِمَعْنَاهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ إجْلاَسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِلَّا فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً» لِأَنَّ إجْلاَسَهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يُرَوِّغَ لَهُ لُقْمَةً دُونَ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ أَوْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَوْ يُجْلِسَهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرَ اخْتِيَارِ غَيْرِ الْحَتْمِ وَتَكُونَ لَهُ نَفَقَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يُحَبُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ تَبَايُنِ طَعَامِ الْمَمْلُوكِ وَطَعَامِ سَيِّدِهِ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُ طَيِّبَ الطَّعَامِ لاَ أَدْنَى مَا يَكْفِيه فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَدْنَى مَا يَكْفِيه أَطْعَمَهُ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ وَالْكِسْوَةُ هَكَذَا قَالَ وَالْمَمْلُوكُ الَّذِي يَلِي طَعَامَ الرَّجُلِ يُخَالِفُ عِنْدَنَا الْمَمْلُوكَ الَّذِي لاَ يَلِي طَعَامَهُ وَيَنْبَغِي لِمَالِكِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي يَلِي طَعَامَهُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مَا يَصْنَعُ بِهِ أَنْ يُنَاوِلَهُ لُقْمَةً يَأْكُلُهَا مِمَّا يَقْرَبُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لاَ يَكُونُ يَرَى طَعَامًا قَدْ وَلِيَ الْغَنَاءَ فِيهِ ثُمَّ لاَ يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ وَأَقَلُّ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهْوَتُهُ لُقْمَةٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا لِلْمَمْلُوكِ الَّذِي يَلِي الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ‏؟‏ قِيلَ لِاخْتِلاَفِ حَالِهِمَا لِأَنَّ هَذَا وَلِيَ الطَّعَامَ وَرَآهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَمْ يَلِهِ وَلَمْ يَرَهُ وَالسُّنَّةُ الَّتِي خَصَّتْ هَذَا مِنْ الْمَمَالِيكِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُوَافِقُ بَعْضَ مَعْنَى هَذَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏ الْآيَةُ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ مَنْ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَك وَلاَ تُضِيفَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدُك وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطَوْا مَا طَابَ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلاَ يُوَقِّتُ وَلاَ يُحْرَمُونَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَعْنَى لاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ يَعْنِي بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَا يُطِيقُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ يَعْجِزُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ الْجَلْدَ وَالْأَمَةَ الْجَلْدَةَ قَدْ يَقْوَيَانِ عَلَى أَنْ يَمْشِيَا لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَا وَعَامَّةَ يَوْمٍ، ثُمَّ يَعْجِزَانِ عَنْ ذَلِكَ وَيَقْوَيَانِ عَلَى أَنْ يَعْمَلاَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلاَ يَنَامَانِ فِيهِمَا ثُمَّ يَعْجِزَانِ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا يَسْتَقْبِلاَنِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَيَمْشِي الْعَقَبَةَ وَرُكُوبُ الْأُخْرَى وَالنَّوْمُ إنْ قَدَرَ رَاكِبًا نَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النَّوْمِ رَاكِبًا نَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَنْزِلِ وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ بِاللَّيْلِ تَرَكْنَاهُ بِالنَّهَارِ لِلرَّاحَةِ وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ بِالنَّهَارِ تَرَكْنَاهُ بِاللَّيْلِ لِلرَّاحَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الشِّتَاءِ عَمِلَ فِي السَّحَرِ وَمِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي صَيْفٍ يَعْمَلُ تُرِكَ فِي الْقَائِلَةِ‏.‏ وَوَجْهُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ مَا لاَ يَضُرُّ بِأَبْدَانِهِمَا الضَّرَرَ الْبَيِّنَ وَمَا يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّهُمَا يُطِيقَانِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَتَى مَرِضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي الْمَرَضِ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ كَانَ لاَ يُطِيقُ الْعَمَلَ وَإِنْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَوْلاَهُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ يُعْتِقُهُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَلاَ نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَتَخْدُمُهُ وَتَعْمَلُ لَهُ مَا تُحْسِنُ وَتُطِيقُ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ تَعْمَلُ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ كَمَا وَصَفْنَا مِنْ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرَةِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ مَا وَصَفْت وَأَيُّ مَمْلُوكٍ صَارَ إلَى أَنْ لاَ يُطِيقَ الْعَمَلَ لَمْ يُكَلِّفْهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَرَضَاعُ الْمَمْلُوكِ الصَّغِيرِ يَلْزَمُ مَوْلاَهُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ مُخَالِفَانِ لِمَنْ سِوَاهُمَا لاَ يَلْزَمُ مَوْلاَهُمَا نَفَقَةً فِي مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَإِنْ مَرِضَا وَعَجَزَا عَنْ نَفَقَةِ أَنْفُسِهِمَا قِيلَ لَهُمَا لَكُمَا شَرْطًا كَمَا فِي الْكِتَابَةِ فَأَنْفِقَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا فَإِنْ زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا عَاجِزَانِ عَنْ تَأْدِيَةِ الْكِتَابَةِ أَبْطَلْنَا كِتَابَتَكُمَا وَرَدَدْنَاكُمَا رَقِيقًا كَمَا نُبْطِلُهَا إذَا عَجَزْتُمَا عَنْ تَأْدِيَةِ أَرْشِ جِنَايَتِكُمَا قَالَ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا إذَا هُمَا عَجَزَا أَنْ يَقُولاَ لاَ نَجِدُ فَيُرَدَّانِ رَقِيقِينَ كَانَ لَهُمَا فِي الْمَرَضِ مَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ فَسْخَ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمَا دُونَ مَنْ كَاتَبَهُمَا قَالَ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَعَجَزَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ فَقَالَ قَدْ عَجَزْت بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَكَانَ الَّذِي لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْكِتَابَةِ مُكَاتَبًا وَيَرْفَعُ عَنْهُ حِصَّةَ الْعَاجِزِ مِنْ الْكِتَابَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى مَمَالِيكِهِ الصِّغَارِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَعُوهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ أُمَّ وَلَدِهِ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُنْفِقُ عَلَى رَقِيقِهِ حَتَّى يُعْتَقُوا بِعِتْقِ أُمِّهِمْ، قَالَ وَإِذَا ضَرَبَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ خَرَاجًا فَقَالَ الْعَبْدُ لاَ أُطِيقُهُ‏.‏ قِيلَ لَهُ أَجِّرْهُ مِمَّنْ شِئْت وَاجْعَلْ لَهُ نَفَقَتَهُ وَكِسْوَتَهُ وَلاَ يُكَلَّفُ خَرَاجًا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَكَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا خَرَاجًا إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي عَمَلٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَمْنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي عَمَلٍ وَأُحِبُّ كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ الْخَرَاجَ مِنْ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُطِيقُ الْكَسْبَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ رضي الله تعالى عنه يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ‏:‏ وَلاَ تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهُ الْكَسْبَ سَرَقَ وَلاَ تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا الْكَسْبَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَابَّةٌ فِي الْمِصْرِ أَوْ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَفَهُ مَا يُقِيمُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِعَلَفِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِبَادِيَةٍ فَاُتُّخِذَتْ الْغَنَمُ أَوْ الْإِبِلُ أَوْ الْبَقَرُ عَلَى الْمَرْعَى فَخَلَّاهَا وَالرَّعْيَ وَلَمْ يَحْبِسْهَا فَأَجْدَبَتْ الْأَرْضُ فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ عَلَفَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ بَاعَهَا وَلاَ يَحْبِسْهَا فَتَمُوتَ هُزَالاً إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ وَيُجْبَرُ عِنْدِي عَلَى بَيْعِهَا أَوْ ذَبْحِهَا أَوْ عَلْفِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ لَمْ يُجْبَرْ عِنْدِي عَلَى بَيْعِهَا وَلاَ ذِبْحِهَا وَلاَ عَلْفِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ تُتَّخَذُ وَلَيْسَتْ كَالدَّوَابِّ الَّتِي لاَ تَرْعَى وَالْأَرْضُ مُخْصِبَةٌ إلَّا رَعْيًا ضَعِيفًا وَلاَ تَقُومُ لِلْجَدْبِ قِيَامَ الرَّوَاعِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ تُحْلَبُ أُمَّهَاتُ النَّسْلِ إلَّا فَضْلاً عَمَّا يُقِيمُ أَوْلاَدَهُنَّ، وَلاَ يَحْلُبُهَا وَيَتْرُكُهُنَّ يَمُتْنَ هُزَالاً‏.‏ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْضِعَ أَمَةً فَيَمْنَعَ وَلَدَهَا إلَّا يَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ رِيِّهِ أَوْ يَكُونُ وَلَدُهَا يَغْتَذِي بِالطَّعَامِ فَيُقِيمُ بَدَنَهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤْثِرَ وَلَدَهُ بِاللَّبَنِ إنْ اخْتَارَهُ عَلَى الطَّعَامِ قَالَ وَفِي كِتَابِ الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَاتِ مِمَّا يَلْزَمُ‏.‏

الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلُنَا فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَلَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَقَّهُ سِرًّا وَمُكَابَرَةً إنْ غَصَبَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَجَدَ مِثْلَهُ أَخَذَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَرْضِهِ شَيْئًا فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَمْ يَرْضَ بِأَنَّ يَبِيعَ مَالَهُ فَلاَ يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ هُوَ إذَا غَصَبَهُ دَرَاهِمَ فَاسْتَهْلَكَهَا فَأَمَرْته أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا جَعَلْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بَدَلاً مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ سُودًا لَمْ تَأْمُرْهُ أَنْ يَأْخُذَ وَضَحًا لِأَنَّ الْوَضَحَ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ السُّودِ فَقَدْ جَعَلْت لَهُ الْبَدَلَ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ بَيْعٌ فَإِنْ قَالَ هَذِهِ دَرَاهِمُ مِثْلُ الْقِيمَةِ قُلْنَا وَمَا مِثْلُ‏؟‏ قَالَ لاَ يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ قُلْنَا فَإِنْ كُنْت مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَجَزْته فَقُلْ لَهُ يَأْخُذُ مَكَانَ السُّودِ وَضَحًا وَهِيَ لاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ قَالَ لاَ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ فَهِيَ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ قُلْنَا فَحُجَّتُك لِأَنَّ الْفَضْلَ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لاَ يَحِلُّ كَانَتْ خَطَأً لِأَنَّهُ إنَّمَا صُرَّتْ إلَى أَنْ تُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ بِقِيمَةِ مَا أَخَذَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَهَذَا بَيْعٌ فَكَيْفَ لَمْ تَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ دَنَانِيرَ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا إلَى الْقِيمَةِ ذَهَبَتْ وَكَيْفَ لَمْ تُجِزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَرْضِهِ فَيَأْخُذَ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ وَالْعَرْضُ يَحِلُّ بِالدَّرَاهِمِ وَفِيهِ تَغَابُنٌ فَمَا حُجَّتُك عَلَى أَحَدٍ إنْ عَارَضَك بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ‏؟‏ فَقَالَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا أُخِذَ مِنْهُ لِأَنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ غَيْرَ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ بَدَلاً وَالْبَدَلُ بِقِيمَةٍ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ فِي أَكْثَرِ الْعِلْمِ لاَ يَكُونُ أَمِينَ نَفْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ قُلْت أَقُولُ‏:‏ إنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إجْمَاعَ أَكْثَرِ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى أَحَدٍ مَنَعَهُ إيَّاهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَدْخُلَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى هِنْدَ مِمَّا أَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَخْذِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ مِنْهُ ذَهَبًا وَفِضَّةً لاَ طَعَامًا وَيَحْتَمِلُ لَوْ كَانَ طَعَامًا أَنْ يَكُونَ أَرْفَعَ مِمَّا يُفْرَضُ لَهَا وَبَيَّنَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ مَا كَانَ فَارِضًا لَهَا لاَ أَرْفَعَ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ لَوْ كَانَ مِثْلَ مَا يُفْرَضُ لَهَا لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ إنَّمَا أَخَذَتْهُ بَدَلاً مِمَّا يَفْرِضُ لَهَا مِثْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ حَبْسُ ذَلِكَ الطَّعَامِ عَنْهَا وَإِعْطَاؤُهَا غَيْرَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا لَيْسَ فِي طَعَامٍ بِعَيْنِهِ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ نِصْفُهُ كَطَعَامِ النَّاسِ وَأُدُمٌ كَأُدُمِ النَّاسِ لاَ فِي أَرْفَعِ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ وَلاَ الْآدَمِ وَلاَ فِي شَرِّهِمَا وَهِيَ إذَا أَخَذَتْ مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا تَأْخُذُ بَدْلاً مِمَّا يَجِبُ لَهَا وَلِوَلَدِهَا وَالْبَدَلُ هُوَ الْقِيمَةُ وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ وَهِيَ إذَا أَخَذَتْ لِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا فَقَدْ جَعَلَهَا أَمِينَ نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَأَبَاحَ لَهَا أَخْذَ حَقِّهَا وَحَقِّهِمْ سِرًّا مِنْ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ مَالِكُ الْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لَهُ أَمَّا فِي هَذَا مَا دَلَّكَ عَلَى أَنْ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ مَا كَانَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ وَمِثْلَ مَا كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت لَهُ أَرَأَيْتَ السُّلْطَانَ لَوْ لَمْ يَجِدْ لِلْمُغْتَصَبِ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا أَلَيْسَ يَقْضِي عَلَى الْغَاصِبِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت إنْ لَمْ يُعْطِهِ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا بَاعَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَغْصُوبَ قِيمَةَ سِلْعَتِهِ‏؟‏ قَالَ بَلَى فَقِيلَ لَهُ إذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تُبِيحُ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ دُونَ السُّلْطَانِ كَمَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَهُ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَكَيْفَ لاَ يَكُونُ لِلْمَرْءِ إذَا لَمْ يَجِدْ حَقَّهُ أَنْ يَبِيعَ فِي مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ‏؟‏ قَالَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَبِيعَ وَلَيْسَ لِهَذَا أَنْ يَبِيعَ قُلْنَا وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ‏؟‏ أَرَأَيْت إذَا قِيلَ لَك وَلاَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ مَا حُجَّتُك‏؟‏ أَوَرَأَيْت السُّلْطَانَ لَوْ بَاعَ لِرَجُلٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ وَالرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنْ لاَ حَقَّ لَهُ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَيْهِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَ لَهُ السُّلْطَانُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَنَرَاك إنَّمَا تَجْعَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِهِ لاَ بِالسُّلْطَانِ وَمَا لِلسُّلْطَانِ فِي هَذَا مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَالْمُفْتِي يُخْبِرُ بِالْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ وَيُجْبِرُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحَقِّ عَلَى تَأْدِيَتِهِ وَمَا يُحِلُّ السُّلْطَانُ شَيْئًا وَلاَ يُحَرِّمُهُ مَا الْحَلاَلُ وَمَا الْحَرَامُ إلَّا عَلَى مَا يَعْلَمُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ أَجَلْ قُلْنَا فَلِمَ جَمَعْت بَيْنَ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَيُكْرِهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَجَعَلْته أَمِينَ نَفْسِهِ فِيهِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ مَالِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَقُلْت هَذَا خَبْرًا أَمْ قِيَاسًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالَ أَصْحَابُنَا يَقْبُحُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ قُلْت لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ لَوْ قَبُحَ إلَّا وَقَدْ شَرِكْت فِيهِ بِأَنَّك تَجْعَلُهُ يَأْخُذُ مِثْلَ عَيْنِ مَالِهِ وَذَلِكَ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ بَيْعٌ وَتُخَالِفُ مَعْنَى السُّنَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَتُجَامِعُهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ قَالَ هَكَذَا أَصْحَابُنَا قُلْت فَتَرْضَى مِنْ غَيْرِك بِمِثْلِ هَذَا فَيَقُولُ لَك مَنْ خَالَفَك هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا‏؟‏ قَالَ لَيْسَ لَهُ فِي هَذَا حُجَّةٌ قُلْنَا وَلاَ لَك أَيْضًا فِيهِ حُجَّةٌ فَقَالَ إنَّهُ يُقَالُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَك» فَمَا مَعْنَى هَذَا‏؟‏ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْكُمْ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْنَا وَلَوْ كَانَتْ كَانَتْ عَلَيْك مَعَنَا قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا‏}‏ فَتَأْدِيَةُ الْأَمَانَةِ فَرْضٌ وَالْخِيَانَةُ مُحَرَّمَةٌ وَلَيْسَ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ بِخَائِنٍ قَالَ أَفَلاَ تَرَاهُ إذَا غُصِبَ دَنَانِيرَ فَبَاعَ ثِيَابًا بِدَنَانِيرَ فَقَدْ خَانَ لِأَنَّ الثِّيَابَ غَيْرُ الدَّنَانِيرِ‏؟‏ قُلْت إنَّ الْحُقُوقَ تُؤْخَذُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِثْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيعَ عَلَى الْغَاصِبِ فَأُخِذَ مِنْهُ مِثْلُ مَا غَصَبَ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ إذَا خَانَ دَنَانِيرَ فَبِيعَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ بِدَنَانِيرَ فَدُفِعَتْ إلَى الْمَغْصُوبِ كَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَمْ يَحِلَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجُوزَ وَلاَ يُكَاثَرَ عَلَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَكَانَ عَلَى السُّلْطَانِ إنْ وَجَدَ لَهُ دَنَانِيرَهُ بِعَيْنِهَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَإِلَّا لَمْ يُعْطِهِ دَنَانِيرَ غَيْرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِاَلَّذِي غَصَبَ وَلاَ يَبِيعُ لَهُ جَارِيَةً فَيُعْطِيه قِيمَتَهَا وَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ لاَ يَرْضَى قَالَ أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا مَا مَعْنَاهُ‏؟‏ قُلْنَا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ وَاجْتِمَاعُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ حَقَّهُ لِنَفْسِهِ سِرًّا مِنْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ أَنْ لَيْسَ بِخِيَانَةٍ، الْخِيَانَةُ أَخْذُ مَا لاَ يَحِلُّ أَخْذُهُ فَلَوْ خَانَنِي دِرْهَمًا قُلْت قَدْ اسْتَحَلَّ خِيَانَتِي لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ آخُذَ مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُكَافَأَةً بِخِيَانَتِهِ لِي وَكَانَ لِي أَنْ آخُذَ دِرْهَمًا وَلاَ أَكُونُ بِهَذَا خَائِنًا وَلاَ ظَالِمًا كَمَا كُنْت خَائِنًا ظَالِمًا بِأَخْذِ تِسْعَةٍ مَعَ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ تَعْدُو الْخِيَانَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَنْ تَكُونَ كَمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ تَكُونَ لَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ أَمَرُوا رَجُلاً أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ وَالْبَدَلَ مِنْ حَقِّهِ بِغَيْرِ أَمْرِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ سِرًّا وَمُكَابَرَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَخَالَفَنَا أَيْضًا فِي النَّفَقَةِ فَقَالَ إذَا مَاتَ الْأَبُ أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قُلْت لَهُ فَمَا حُجَّتُك فِي هَذَا‏؟‏ قَالَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلِينَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قُلْت لَهُ أَكَانَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَك عَلَى جَمِيعِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْأَبِ، وَالْوَارِثُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأَبِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَوَجَدْت الْأَبَ يُنْفِقُ وَيَسْتَرْضِعُ الْمَوْلُودَ وَأُمُّهُ وَارِثٌ لاَ شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَيَكُونُ وَارِثُ غَيْرِ أُمِّهِ يَقُومُ مَقَامَ أَبِيهِ فَيُنْفِقُ عَلَى أُمِّهِ إذَا أَرْضَعَتْهُ وَعَلَى الصَّبِيِّ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّ الْأُمَّ تُنْفِقُ عَلَيْهِ مَعَ الْوَارِثِ قُلْنَا فَأَوَّلُ مَا تَأَوَّلْت تَرَكْت قَالَ فَإِنْ أَقُولُ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ هِيَ فِي الآيَةِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَالَ لاَ يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ وَأَبُوهُ حَيٌّ قُلْنَا بَلَى أُمُّهُ وَقَدْ يَكُونُ زَمِنًا مَوْلُودًا فَيَرِثُهُ وَلَدُهُ لَوْ مَاتَ وَيَكُونُ عَلَى أَبِيهِ عِنْدَك نَفَقَتُهُ فَقَدْ خَرَجْت مِمَّا تَأَوَّلْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ أَرَأَيْت يَتِيمًا لَهُ أَخٌ فَقِيرٌ وَجَدَ أَبُو أُمٍّ غَنِيٍّ عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ‏؟‏ قَالَ عَلَى جَدِّهِ قُلْنَا وَلِمَنْ مِيرَاثُهُ‏؟‏ قَالَ لِأَخِيهِ قُلْنَا أَرَأَيْت يَتِيمًا لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ غَنِيَّانِ لَوْ مَاتَ الْيَتِيمُ لِمَنْ مِيرَاثُهُ‏؟‏ قَالَ لِابْنِ عَمِّهِ فَقُلْت فَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ‏؟‏ قَالَ عَلَى خَالِهِ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت يَتِيمًا لَهُ أَخٌ لِأَبِيهِ وَأُمُّهُ وَهُوَ فَقِيرٌ وَلَهُ ابْنُ أَخٍ غَنِيٍّ لِمَنْ مِيرَاثُهُ‏؟‏ قَالَ لِلْأَخِ فَقُلْت فَعَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ‏؟‏ قَالَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ قُلْت فَقَدْ جَعَلْت النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِ وَارِثٍ وَكُلُّ مَا لَزِمَ أَحَدًا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْهُ لِفَقْرٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ عَلَى مَا وَصَفْت فَقَدْ خَالَفْتهَا فَأَبْرَأْت الْوَارِثَ مِنْ النَّفَقَةِ وَجَعَلَتْهَا عَلَى غَيْرِ الْوَارِثِ قَالَ إنَّمَا جَعَلْتهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إنْ كَانَ وَارِثًا قُلْنَا وَقَدْ تَجْعَلُهَا عَلَى الْخَالِ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَتُخَالِفُ الْآيَةَ فِيهِ خِلاَفًا بَيِّنًا أَوْ تَجِدُ فِي الآيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِهَا الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ أَوْ تَجِدُ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ‏؟‏ قَالَ هِيَ هَكَذَا عِنْدَنَا قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ إذَا جَازَ أَنْ تَجْعَلَهَا عَلَى بَعْضِ الْوَارِثِينَ دُونَ بَعْضٍ قُلْت أُجْبِرُهُ عَلَى نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ لاََنْ أُجْبِرَهُ عَلَى نَفَقَةِ الْجَارِيَةِ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَيَكُونَ يَوْمًا فِيهَا لَهُ مَنْفَعَةٌ وَسُرُورٌ وَعَلَى نَفَقَةِ الْغُلاَمِ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ إلَيْهِ أَوْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ الَّتِي يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ وَسُرُورٌ أَجْوَزُ مِنْ أَنْ أُجْبِرَهُ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَمْتِعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مِنْ الرِّجَالِ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ‏؟‏ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا لَوْ قَالَ هَذَا إلَّا أَحْسَنَ قَوْلاً مِنْك قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَقْرَبُ قُلْنَا قَدْ يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لاَ قَرَابَةَ لَهُ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْنَا أُمُّ امْرَأَتِك وَامْرَأَةُ أَبِيك وَامْرَأَةٌ تَلاَعُنُهَا وَامْرَأَتُك تَبُتُّ طَلاَقَهَا وَكُلُّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَضَاعٌ قَالَ لَيْسَ هَؤُلاَءِ وَارِثًا قُلْنَا أَوْ لَيْسَ قَدْ فُرِضَتْ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِ الْوَارِثِ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّا قَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِكُمْ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه أَجْبَرَ عَصَبَةَ غُلاَمٍ عَلَى رَضَاعِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ قُلْنَا أَفَتَأْخُذُ بِهَذَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَخُصُّ الْعَصَبَةَ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَبَنُو الْأَعْمَامِ وَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ‏؟‏ قَالَ لاَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ قُلْنَا فَالْحُجَّةُ عَلَيْك فِي هَذَا كَالْحُجَّةِ عَلَيْك فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَدْ خَالَفْت هَذَا قَدْ يَكُونُ لَهُ بَنُو عَمٍّ فَيَكُونُونَ لَهُ عَصَبَةً وَوَرَثَةً وَلاَ تُجْعَلُ عَلَيْهِمْ النَّفَقَةُ وَهُمْ الْعَصَبَةُ الْوَرَثَةُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ ذَا رَحِمٍ تَرَكْته ضَائِعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ لِي قَائِلٌ قَدْ خَالَفْتُمْ هَذَا أَيْضًا قُلْنَا أَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْك لَيْسَ تَعْرِفُهُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فَكَانَ يَقُولُ «وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ» عَلَى الْوَارِثِ أَنْ «لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا» وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَعْلَمُ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا وَالْآيَةُ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ أَنَّ فِي فَرْضِهَا عَلَى الْوَارِثِ وَالْأُمُّ حَيَّةٌ دَلاَلَةً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ كَانَ عَلَى الْأَبِ ثُلُثَاهَا وَسَقَطَ عَنْهُ ثُلُثُهَا لِأَنَّهُ حَظُّ الْأُمِّ وَلَوْ اُسْتُرْضِعَ الْمَوْلُودُ غَيْرَ الْأُمِّ كَانَ عَلَى الْأَبِ ثُلُثَا الرَّضَاعِ وَعَلَى الْأُمِّ ثُلُثَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ خَرَجَتْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ جُعِلَتْ فِيهِ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ غَيْرَهَا فَكَانَ يَنْبَغِي لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْأَبِ فَيُنْفِقَ عَلَى الْأُمِّ إذَا أَرْضَعَتْهُ فَلاَ يَكُونُ عَلَى الْأُمِّ مِنْ رَضَاعِهِ شَيْءٌ لَوْ اسْتَرْضَعَتْهُ أُخْرَى وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفَقَةَ الْمُطَلَّقَاتِ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِنَفَقَةٍ وَغَرَامَاتٍ تَلْزَمُ النَّاسَ لَيْسَ فِيهَا أَنْ يَلْزَمَ الْوَارِثَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ وَكُلُّ امْرِئٍ مَالِكٌ لِمَالِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِيهِ مَا لَزِمَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ نُلْزِمَهُ فِي مَالِهِ مَا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَا فَلاَ يَجُوزُ لَنَا فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ كَمَا وَصَفْنَا فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ مِنْهُ حَرْفًا وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت فَقَدْ خَالَفْته خِلاَفًا بَيِّنًا‏.‏

جِمَاعُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِدِمَشْقَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ وَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ فَجَعَلَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ حُقُوقًا بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مُفَسَّرَةً وَمُجْمَلَةً فَفَهِمَهَا الْعَرَبُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِلِسَانِهِمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلاَمِهِمْ وَقَدْ وَضَعْنَا بَعْضَ مَا حَضَرَنَا مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهِ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُ الرُّشْدَ وَالتَّوْفِيقَ وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي أَمْرِهِ بِالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّوْجُ إلَى زَوْجَتِهِ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَتَرْكِ مَيْلٍ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ‏}‏ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إتْيَانُ ذَلِكَ بِمَا يَحْسُنُ لَك ثَوَابُهُ وَكَفُّ الْمَكْرُوهِ‏.‏

النَّفَقَةُ عَلَى النِّسَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ إلَى ‏{‏تَعُولُوا‏}‏ وَقَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ أَنْ لاَ يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي مِنْهُ إلَّا مَا يُدْخِلُ عَلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ» قَالَ سَعِيدُ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ وَلَدُك أَنْفِقْ عَلَيَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي‏؟‏ وَتَقُولُ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ قُلْنَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا بِبَلَدِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ بُرًّا كَانَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً لاَ يُكَلَّفُ غَيْرَ الطَّعَامِ الْعَامِّ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَقْتَاتُهُ مِثْلُهَا وَمِنْ الْكِسْوَةِ وَالْأُدُمِ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ‏}‏ فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ كَانَتْ الدَّلاَلَةُ كَمَا وُصِفَتْ فِي الْقُرْآنِ وَأَبَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ فَعَجَزُوا عَنْهَا لَمْ يُجْبَرْنَ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهُمْ مَعَ الْعَجْزِ عَمَّا لاَ غِنَى بِهِنَّ عَنْهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ وَبِالِاسْتِدْلاَلِ قُلْنَا إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إذَا مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ هُوَ وَنَفَقَتُهَا مُطَلَّقَةً طَلاَقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لاَ يَخْدُمُ نَفْسَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ لَهَا وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَغَابَ عَنْهَا قَضَى لَهَا بِنَفَقَتِهَا فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى يَقْدَمَ وَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ حَكَمَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا فِي الشُّهُورِ الَّتِي مَضَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً ذِمِّيَّةً وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ ضَرَبَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُدَّةَ الَّتِي حَبَسَهَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا‏.‏

الْخِلاَفُ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا وَإِذَا غَابَ عَنْهَا وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ إنْ طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً فَرَضَ عَلَيْهِ لَهَا نَفَقَةً وَكَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا زَمَانٌ ثُمَّ طَلَبَتْهُ فَرَضَ لَهَا مِنْ يَوْمِ طَلَبَتْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ تَطْلُبْ فِيهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا إذَا طَلَّقَهَا مَلَكَ رَجْعَتَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ لِي كَيْفَ قُلْت فِي الرَّجُلِ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قُلْت لَمَّا كَانَ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَمَضَتْ بِذَلِكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ وَالِاسْتِدْلاَلُ بِالسُّنَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَبْسُهَا عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَمَنْعُهَا عَنْ غَيْرِهِ تَسْتَغْنِي بِهِ وَهُوَ مَانِعٌ لَهَا فَرْضًا عَلَيْهِ عَاجِزًا عَنْ تَأْدِيَتِهِ وَكَانَ حَبْسُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يَأْتِي عَلَى نَفْسِهَا فَتَمُوتُ جُوعًا وَعَطَشًا وَعُرْيًا قَالَ فَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قُلْت قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَهْلِهِ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تَقُولُ امْرَأَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ عَلَيْهِ طَلاَقَهَا قُلْت أَمَّا بِنَصٍّ فَلاَ وَأَمَّا بِالِاسْتِدْلاَلِ فَهُوَ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقُلْت لَهُ تَقُولُ فِي خَادِمٍ لَهُ لاَ عَمَلَ فِيهَا بِزَمَانَةٍ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا‏؟‏ قَالَ نَبِيعُهَا عَلَيْهِ قُلْت فَإِذَا صَنَعْت هَذَا فِي مِلْكِهِ كَيْفَ لاَ تَصْنَعُهُ فِي امْرَأَتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُ‏؟‏ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ‏.‏ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْت سَنَةً‏؟‏ قَالَ سَعِيدٌ سَنَةً وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ سَنَةً أَنْ يَكُونَ سَنَةً رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَلاَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْصُوصًا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَنَعَهَا مِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إذَا مَنَعَهَا فُرِّقَ مِثْلُ نُشُوزِ الرَّجُلِ وَمِثْلُ تَرْكِهِ الْقَسْمَ لَهَا مِنْ غَيْرِ إيلاَءٍ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ نَعَمْ لَيْسَ فِي فَقْدِ الْجِمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ فَقْدِ لَذَّةٍ وَوِلْدَةٍ وَذَلِكَ لاَ يُتْلِفُ نَفْسَهَا وَتَرْكُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يَأْتِيَانِ عَلَى إتْلاَفِ نَفْسِهَا وَقَدْ وَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ فِي الضَّرُورَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ مَا حَرَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِمَا مَنْعًا لِلنَّفْسِ مِنْ التَّلَفِ وَوَضَعَ الْكُفْرَ عَنْ الْمُسْتَكْرَهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلاَ أَجِدُهُ أَبَاحَ لِلْمَرْأَةِ وَلاَ لِلرَّجُلِ فِي الشَّهْوَةِ لِلْجِمَاعِ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَجَزَ عَنْ إصَابَةِ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُ غَيْرَهَا أُجِّلَ سَنَةً ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ قَالَ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قُلْت فَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّ قَضَاءَ عُمَرَ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَامْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا أَثْبَتُ عَنْهُ فَكَيْفَ رَدَدْت إحْدَى قَضَايَا عُمَرَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبِلْت قَضَاءَهُ فِي الْعِنِّينِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه يُخَالِفُهُ‏؟‏ فَقَالَ قَبِلْته لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حُقُوقِ الْعُقْدَةِ قُلْت لَهُ أَفَكَمَا يُجَامِعُ النَّاسُ أَوْ جِمَاعُ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ‏؟‏ قَالَ كَمَا يُجَامِعُ النَّاسُ قُلْت فَأَنْتَ إذَا جَامَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا قَالَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ قُلْت فَكَيْفَ يُجَامِعُ غَيْرَهَا وَلاَ يَكُونُ عِنِّينًا وَتُؤَجِّلُهُ سَنَةً‏؟‏ قَالَ إنَّ أَدَاءَ الْحَقِّ إلَى غَيْرِهَا غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهُ مِنْ حَقِّهَا قُلْت فَإِذَا كُنْت تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَرَضِيت مِنْهُ فِي عُمُرِهِ أَنْ يُجَامِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَقُّهَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ فِي نَفَقَتِهَا وَاجِبٌ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ أَقْرَرْتهَا مَعَهُ بِفَقْدِ حَقَّيْنِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَفَقْدُهُمَا يَأْتِي عَلَى إتْلاَفِهَا لِأَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ يَقْتُلاَنِهَا وَالْعُرْيَ يَقْتُلُهَا فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَأَنْتَ تَقُولُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا دَهْرَهُ ثُمَّ تَرَكَ يَوْمًا أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ نَفَقَةٌ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِفَقْدِ الْجِمَاعِ الَّذِي تُخْرِجُهُ مِنْهُ فِي عُمُرِهَا بِجِمَاعِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِأَصْغَرِ الضَّرَرَيْنِ وَأَقْرَرْتهَا مَعَهُ عَلَى أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهَا مَتَى طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا فَرَضْتهَا عَلَيْهِ وَجَعَلْتهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَحُقُوقِ النَّاسِ وَإِنْ كَفَّتْ عَنْ طَلَبِ نَفَقَتِهَا أَوْ هَرَبَ فَلَمْ تَجِدْهُ وَلاَ مَالَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ لَمْ تَأْخُذْهُ بِنَفَقَتِهَا فِيمَا مَضَى، هَلْ رَأَيْت مَالاً قَطُّ يَلْزَمُ الْوَالِيَ أَخْذُهُ لِصَاحِبِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَيَتْرُكُ مَنْ هُوَ لَهُ طَلَبُهُ أَوْ يَطْلُبُهُ فَيَهْرُبُ صَاحِبُهُ فَيَبْطُلُ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ فَيَفْحُشُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ لِرَجُلٍ فَرْجًا فَأُحَرِّمُهُ عَلَيْهِ بِلاَ إحْدَاثِ طَلاَقٍ مِنْهُ قُلْت لَهُ أَفَرَأَيْت أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَرْتَدُّ أَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٍ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ أَرَأَيْت الْأَمَةَ تَعْتِقُ أَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ‏؟‏ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ الْأَمَةُ أَوَرَأَيْت الْمَوْلَى أَهُوَ طَلَّقَ‏؟‏ أَرَأَيْت الرَّجُلُ يَعْجِزُ عَنْ إصَابَةِ امْرَأَتِهِ أَهُوَ طَلَّقَ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالَ أَمَّا الْمَوْلَى فَاسْتَدْلَلْنَا بِالْكِتَابِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ بِالسُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ قُلْت فَحُجَّتُك بِأَنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يُفَرَّقَ بِغَيْرِ طَلاَقٍ يُحْدِثُهُ الزَّوْجُ لاَ حُجَّةَ لَك عَلَيْهِ وَغَيْرُ حُجَّةٍ عَلَى غَيْرِك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْت لَهُ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَإِنْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا‏؟‏ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْتِعْ مِنْهَا بِجِمَاعٍ قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا غَابَ أَوْ مَرِضَ أَيَسْتَمْتِعُ مِنْهَا بِجِمَاعٍ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ قُلْت أَفَتَجِدُهَا مُمَلَّكَةً مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَيَجِبُ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَبْسِ فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِمَاعِ فَالْمَرِيضُ وَالْغَائِبُ لاَ يُجَامِعَانِ فِي حَالِهِمَا تِلْكَ فَأَسْقَطَ لِذَلِكَ النَّفَقَةَ‏.‏

قَالَ إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُجَامَعُ وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ قُلْت لَهُ لِمَ أَوْجَبْتَ لَهَا النَّفَقَةَ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ طَلُقَتْ ثَلاَثًا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ فَخَالَفْت الِاسْتِدْلاَلَ بِالْكِتَابِ وَنَصِّ السُّنَّةِ‏؟‏ قَالَ وَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ بِالْكِتَابِ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ «وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنْ لاَ فَرْضَ فِي الْكِتَابِ لِمُطَلَّقَةٍ مَالِكَةٍ لِأَمْرِهَا غَيْرِ حَامِلٍ قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُطَلَّقَاتِ مُرْسَلاَتٍ لَمْ يُخَصِّصْ وَاحِدَةً دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ نَفَقَةَ لِمُطَلَّقَةٍ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَمَا مُبْتَدَأُ السُّورَةِ إلَّا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِلْعِدَّةِ قُلْت لَهُ‏:‏ قَدْ يُطَلِّقُ لِلْعِدَّةِ ثَلاَثًا قَالَ فَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ مَا كَانَتْ الدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ الْمَبْتُوتَةَ دُونَ الَّتِي لَهُ رَجْعَةٌ عَلَيْهَا قُلْت سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُثْبِتُ أَنَّ الْمَمْنُوعَةَ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَبْتُوتَةُ بِجَمِيعِ الطَّلاَقِ دُونَ الَّتِي لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ وَلَوْ لَمْ تَدُلَّ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الْآيَةُ تَأْمُرُ بِنَفَقَةِ الْحَامِلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُطَلَّقَاتِ فِيهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ دُونَ الْمُطَلَّقَاتِ سِوَاهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ تُخَالِفُ الْحَامِلَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ فَيُنْفِقَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ غَيْرِهَا قَالَ فَلِمَ لاَ تَكُونُ الْمَبْتُوتَةُ قِيَاسًا عَلَيْهَا‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت الَّتِي يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا فِي عِدَّتِهَا أَلَيْسَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَمْرَهَا إنْ شَاءَ وَيَقَعُ عَلَيْهَا إيلاَؤُهُ وَظِهَارُهُ وَلِعَانُهُ وَيَتَوَارَثَانِ قَالَ بَلَى قُلْت أَفَهَذِهِ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي أَكْثَرِ أَمْرِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُ كَذَلِكَ الْمَبْتُوتَةَ بِجَمِيعِ طَلاَقِهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَكَيْفَ تَقِيسُ مُطَلَّقَةً بِاَلَّتِي تُخَالِفُهَا‏؟‏ وَقُلْت لَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاَللَّهُ مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهَا لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْته ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا فَاغْتَبَطْت بِهِ» قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَكْتُمْ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ شَيْئًا قَالَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ سُكْنَى لَك وَلاَ نَفَقَةَ فَقُلْت لَهُ مَا تَرَكْنَا مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ حَرْفًا قَالَ إنَّمَا حَدَّثَنَا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ سُكْنَى لَك وَلاَ نَفَقَةَ» فَقُلْت لَكِنَّا لَمْ نُحَدِّثْ هَذَا عَنْهَا وَلَوْ كَانَ مَا حَدَّثْتُمْ عَنْهَا كَمَا حَدَّثْتُمْ كَانَ عَلَى مَا قُلْنَا وَعَلَى خِلاَفِ مَا قُلْتُمْ قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت أَمَّا حَدِيثُنَا فَصَحِيحٌ عَلَى وَجْهِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ نَفَقَةَ لَكِ عَلَيْهِمْ» وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَوْ كَانَ فِي حَدِيثِهَا إحْلاَلُهُ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ لَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ كَيْفَ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِهِ‏؟‏ قُلْت لِعِلَّةٍ لَمْ تَذْكُرْهَا فَاطِمَةُ فِي الْحَدِيثِ كَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ مِنْ ذِكْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا غَيْرُهَا قَالَ وَمَا هِيَ‏؟‏ قُلْت كَانَ فِي لِسَانِهَا ذَرَبٌ فَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا اسْتِطَالَةً تَفَاحَشَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ هَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا قُلْتَ قُلْتُ نَعَمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا قَالَ فَاذْكُرْهَا قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ‏}‏ قَالَ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِنْ بَذَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا قَالَ هَذَا تَأْوِيلٌ قَدْ يَحْتَمِلُ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاحِشَةُ خُرُوجَهَا وَأَنْ تَكُونَ الْفَاحِشَةُ أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَدِّ قَالَ فَقُلْت لَهُ فَإِذَا احْتَمَلَتْ الْآيَةُ مَا وَصَفْت فَأَيُّ الْمَعَانِي أَوْلَى بِهَا‏؟‏ قَالَ مَعْنَى مَا وَافَقَتْهُ السُّنَّةُ فَقُلْت فَقَدْ ذَكَرْت لَك السُّنَّةَ فِي فَاطِمَةَ فَأَوْجَدْتُك مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ‏.‏

الْقَسْمُ لِلنِّسَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا‏}‏ الْآيَةُ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ بِمَا فِي الْقُلُوبِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلاَ تَجَاوَزَ لِلْعِبَادِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ فَلاَ تَمِيلُوا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ كُلَّ الْمَيْلِ بِالْفِعْلِ مَعَ الْهَوَى وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَيْهِ عَوَامُّ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ فِي ذَلِكَ لاَ أَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَهُ أَنْ يُجَوِّزَ فِيهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا فِي الْقُلُوبِ مِمَّا قَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ لِلْعِبَادِ عَنْهُ فَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَيْلِ عَلَى النِّسَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ وَالذِّمِّيَّاتُ إذَا اجْتَمَعْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَالْقَسْمُ هُوَ اللَّيْلُ يَبِيتُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَتَهَا وَنُحِبُّ لَوْ أَوَى عِنْدَهَا نَهَارَهُ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ مَعَ حُرَّةٍ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً قَالَ وَإِنْ هَرَبَتْ مِنْهُ حُرَّةٌ أَوْ أَغْلَقَتْ دُونَهُ أَمَةٌ أَوْ حَبَسَ الْأَمَةَ أَهْلُهَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ حَتَّى تَعُودَ الْحُرَّةُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهَرَبِ وَالْأَمَةُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ قَطْعُ حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَيَبِيتُ عِنْدَ الْمَرِيضَةِ الَّتِي لاَ جِمَاعَ فِيهَا وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ مَبِيتَهُ سَكَنُ إلْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِمَاعٌ أَوْ أَمْرٌ تُحِبُّهُ الْمَرْأَةُ وَتَرَى الْغَضَاضَةَ عَلَيْهَا فِي تَرْكِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ وَكَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ التَّاسِعَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ لَهَا سَوْدَةُ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ‏.‏

الْحَالُ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا حَالُ النِّسَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَبَنَى بِهَا فَحَالُهَا غَيْرُ حَالِ مَنْ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ ثُمَّ يَبْتَدِئَ الْقِسْمَةَ لِنِسَائِهِ فَتَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَهَا عَلَيْهِنَّ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت قَالَتْ ثَلِّثْ»‏.‏

أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الرُّوَّادِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهَا فَسَاقَ نِكَاحَهَا وَبِنَاءَهُ بِهَا وَقَوْلَهُ لَهَا إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَإِنْ قَسَمَ أَيَّامًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِ الْبِكْرِ وَثَلاَثِ الثَّيِّبِ فَجَائِزٌ إذَا أَوْفَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَدَدَ الْأَيَّامِ الَّتِي أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا‏.‏

الْخِلاَفُ فِي الْقَسْمِ لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْقَسْمِ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَقَالَ يَقْسِمُ لَهُمَا إذَا دَخَلاَ كَمَا يَقْسِمُ لِغَيْرِهِمَا لاَ يُقَامُ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ إلَّا أُقِيمَ عِنْدَ الْأُخْرَى مِثْلُهُ فَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ‏}‏ أَفَتَجِدُ السَّبِيلَ إلَى عِلْمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ جُمْلَةً أَنَّهَا أَثْبَتُ وَأَقْوَمُ فِي الْحُجَّةِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَ لاَ فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت‏؟‏» قُلْت نَعَمْ قَالَ فَلَمْ يُعْطِهَا فِي السَّبْعِ شَيْئًا إلَّا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ يُعْطِي غَيْرَهَا مِثْلَهُ فَقُلْت لَهُ‏:‏ إنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا ثَلاَثٌ فَقَالَ لَهَا إنْ أَرَدْت حَقَّ الْبِكْرِ وَهُوَ أَعْلَى حُقُوقِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفُهُ عِنْدَهُنَّ بِعَفْوِك حَقِّك إذَا لَمْ تَكُونِي بِكْرًا فَيَكُونُ لَك سَبْعٌ فَعَلْت وَإِنْ لَمْ تُرِيدِي عَفْوَهُ وَأَرَدْت حَقَّك فَهُوَ ثَلاَثٌ قَالَ فَهَلْ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُهُ‏؟‏ قُلْت لاَ إنَّمَا يُخْبِرُ مَنْ لَهُ حَقٌّ يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ حَقِّهِ فَقُلْت لَهُ يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ مِثْلَ مَا قُلْنَا لِأَنَّك زَعَمْت أَنَّك لاَ تُخَالِفُ الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يُخَالِفْهُ مِثْلُهُ وَلاَ نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُ وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ لَك مِنْ قَوْلِهِ فَتَرَكْتهَا وَقَوْلَهُ‏.‏

قَسْمُ النِّسَاءِ إذَا حَضَرَ السَّفَرُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا» وَبِهَذَا أَقُولُ إذَا حَضَرَ سَفَرُ الْمَرْءِ وَلَهُ نِسْوَةٌ فَأَرَادَ إخْرَاجَ وَاحِدَةٍ لِلتَّخْفِيفِ مِنْ مُؤْنَةِ الْجَمِيعِ وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهَا فَحَقُّهُنَّ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ سَوَاءٌ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا لِلْخُرُوجِ خَرَجَ بِهَا فَإِذَا حَضَرَ قَسَمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُنَّ وَلَمْ يَحْسُبْ عَلَيْهَا الْأَيَّامَ الَّتِي غَابَ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَدْ ذَكَر اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْقُرْعَةَ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُهَا مُوَافِقًا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يُونُسَ لِمَنْ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ إلَى ‏{‏الْمُدْحَضِينَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَفَ الْفُلْكُ بِاَلَّذِينَ رَكِبَ مَعَهُمْ يُونُسُ فَقَالُوا إنَّمَا وَقَفَ لِرَاكِبٍ فِيهِ لاَ نَعْرِفُهُ فَيُقْرَعُ فَأَيُّكُمْ خَرَجَ سَهْمَهُ أُلْقِيَ فَخَرَجَ سَهْمُ يُونُسَ فَأُلْقِيَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ تَدَارَكَهُ بِعَفْوِهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَمَّا مَرْيَمُ فَلاَ يَعْدُو الْمُلْقُونَ لِأَقْلاَمِهِمْ يَقْتَرِعُونَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً فِي كَفَالَتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَارِعُ مَنْ يُدْلِي بِحَقِّ فِيمَا يُقَارِعُ وَلاَ يَعْدُونَ إذَا كَانَ أَرْفَقُ بِهَا وَأَجْمَلُ فِي أَمْرِهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ لاَ يَتَدَاوَلُهَا كُلُّهُمْ مُدَّةً مُدَّةً وَيَكُونُوا يَقْسِمُوا كَفَالَتَهَا فَهَذَا أَشْبَهُ مَعْنَاهَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَاقْتَرَعُوا أَيُّهُمْ يَتَوَلَّى كَفَالَتَهَا دُونَ صَاحِبِهِ أَوْ تَكُونُ يُدَافِعُوهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ كَفَالَتُهَا وَاحِدًا دُونَ أَصْحَابِهِ وَأَيَّهُمَا كَانَ فَقَدْ اقْتَرَعُوا لِيَنْفَرِدَ بِكَفَالَتِهَا وَيَخْلُوَ مِنْهَا مَنْ بَقِيَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَلِمَا كَانَ الْمَعْرُوفُ لِنِسَاءِ الرَّافِقِ بِالنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَهُنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى ذَوَاتُ الْحَقِّ كُلُّهُنَّ فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ وَاحِدَةٍ كَانَ السَّفَرُ لَهَا دُونَهُنَّ وَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الْقُرْعَةِ فِي مَرْيَمَ وَقُرْعَةِ يُونُسَ حِينَ اسْتَوَتْ الْحُقُوقُ أَقْرَعَ لِتَنْفَرِدَ وَاحِدَةٌ دُونَ الْجَمِيعِ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي الْقَسْمِ فِي السَّفَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي السَّفَرِ وَقَالَ‏:‏ هُوَ وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ وَإِذَا أَقْرَعَ فَخَرَجَ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَدِمَ قَسَمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ بِمِثْلِ مَا غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَ بِهَا فَقُلْت لَهُ أَيَكُونُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَخْرُجَ بِامْرَأَةٍ بِلاَ قُرْعَةٍ وَيَفْعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَيُقِيمَ مَعَهَا أَيَّامًا ثُمَّ يَقْسِمَ لِلنِّسْوَةِ سِوَاهَا بِعَدَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ فَمَا مَعْنَى الْقُرْعَةُ إذَا أَوْفَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا وَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ أَنْتَ رَجُلٌ خَالَفْت الْحَدِيثَ فَأَرَدْت التَّشْبِيهَ عَلَى مَنْ سَمِعَك بِخِلاَفِهِ فَلَمْ يَخْفَ خِلاَفُك عَلَيْنَا وَلاَ أَرَاهُ يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ‏؟‏ قَالَ فَرِّقْ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ قُلْت فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ وَوَضْعِ الصَّوْمِ فِيهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ وَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ فَصَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَاكِبًا وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَرَخَّصَ اللَّهُ فِيهِ فِي التَّيَمُّمِ بَدَلاً مِنْ الْمَاءِ أَفَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ فِي الْقِبْلَةِ فَقَالَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ وَالنَّافِلَةُ وَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَك بِالْأَرْضِ مُسَافِرًا كَانَ صَاحِبُهَا أَوْ مُقِيمًا فَكَيْفَ قُلْت لِلرَّاكِبِ صَلِّ إنْ شِئْت إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ‏؟‏ قَالَ أَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قُلْت فَنَقُولُ لَك فَلاَ قَوْلَ وَلاَ قِيَاسَ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ قُلْت وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِثْلِهِ قَالَ لاَ وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جَاهِلٍ قُلْنَا فَكَيْفَ كَانَ هَذَا مِنْك فِي الْقُرْعَةِ فِي السَّفَرِ‏؟‏ قَالَ إنِّي قُلْت لَعَلَّهُ قَسَمَ‏؟‏ قُلْت فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ فَلَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْمَشْرِقِ فِي السَّفَرِ قَالَهُ فِي سَفَرٍ إذَا اسْتَقْبَلَ فِيهِ الْمَشْرِقَ فَكَانَتْ قِبْلَتَهُ قَالَ لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَهُوَ لاَ يَقُولُ صَلَّى نَحْوَ الْمَشْرِقِ إلَّا وَهُوَ خِلاَفُ الْقِبْلَةِ قُلْت فَهُوَ إذَا أَقْرَعَ لَمْ يَقْسِمْ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا‏.‏

نُشُوزُ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَبِيلاً‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ‏}‏ يَحْتَمِلُ إذَا رَأَى الدَّلاَلاَتِ فِي إيغَالِ الْمَرْأَةِ وَإِقْبَالِهَا عَلَى النُّشُوزِ فَكَانَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ أَنْ يَعِظَهَا فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إذَا رُئِيَتْ أَسْبَابُهُ وَأَنْ لاَ مُؤْنَةَ فِيهَا عَلَيْهَا تَضْرِبُهَا وَأَنَّ الْعِظَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ مِنْ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ فَكَيْفَ لِامْرَأَتِهِ‏؟‏ وَالْهِجْرَةُ لاَ تَكُونُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْهِجْرَةُ لِأَنَّ الْهِجْرَة مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَوْقَ ثَلاَثٍ وَالضَّرْبُ لاَ يَكُونُ إلَّا بِبَيَانِ الْفِعْلِ فَالْآيَةُ فِي الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ عَلَى بَيَانِ الْفِعْلِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالاَتِ الْمَرْأَةِ فِي اخْتِلاَفِ مَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ مِنْ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَة وَالضَّرْبِ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَلاَ يُشْبِهُ مَعْنَاهَا إلَّا مَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏:‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ‏}‏ إذَا نَشَزْنَ فَخِفْتُمْ لِحَاجَتِهِنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ قَالَ وَإِذَا رَجَعَتْ النَّاشِزُ عَنْ النُّشُوزِ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا هَجْرَتُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَا لَهُ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا زَايَلَتْهُ فَقَدْ زَايَلَتْ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَا لَهُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا لاَ يُقْسَمُ لِلْمَرْأَةِ الْمُمْتَنِعَةِ مِنْ زَوْجِهَا الْمُتَغَيِّبَةِ عَنْهُ بِإِذْنِ اللَّهِ لِزَوْجِهَا بِهِجْرَتِهَا فِي الْمَضْجَعِ وَهَجْرَتُهَا فِيهِ اجْتِنَابُهَا بِهَا لَمْ تَحْرُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ إيَاسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُباب قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قَالَ فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ أَوْ قَالَ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَلاَ تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَجَعَلَ لَهُمْ الضَّرْبَ وَجَعَلَ لَهُمْ الْعَفْوَ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْخِيَارَ تَرْكُ الضَّرْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عَلَيْهَا حَدٌّ عَلَى الْوَالِي أَخْذُهُ وَأَجَازَ الْعَفْوَ عَنْهَا فِي غَيْرِ حَدٍّ فِي الْخَيْرِ الَّذِي تَرَكَتْ حَظَّهَا وَعَصَتْ رَبَّهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ هُمَا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ وَذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مَا لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ حَمْلِ مُؤْنَتِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏

مَا لاَ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمَرْأَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ فَفَرَضَ اللَّهُ عِشْرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ حَبْسَهَا مَكْرُوهَةً وَاكْتَفَى بِالشَّرْطِ فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ لاَ أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يُعَاشِرَهَا مَكْرُوهَةً بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ‏}‏ الْآيَةُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَخْذُ مِنْ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا وَلاَ عِشْرَتِهَا وَلَمْ تَطِبْ نَفْسًا بِتَرْكِ حَقِّهَا فِي الْقَسْمِ لَهَا وَمَالَهُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا حَقَّهَا وَلاَ حَبْسُهَا إلَّا بِمَعْرُوفٍ وَأَوَّلُ الْمَعْرُوفِ تَأْدِيَةُ الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَالِهَا بِلاَ طِيبِ نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَذِنَ بِتَخْلِيَتِهَا عَلَى تَرْكِ حَقِّهَا إذَا تَرَكَتْهُ طَيِّبَةَ النَّفْسِ بِهِ وَأَذِنَ بِأَخْذِ مَالِهَا مَحْبُوسَةً وَمُفَارِقَةً بِطِيبِ نَفْسِهَا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَآتَوْا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَرِيئًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا‏}‏ الْآيَةُ وَهَذَا إذْنٌ بِحَبْسِهَا عَلَيْهِ إذَا طَابَتْ بِهَا نَفْسُهَا كَمَا وَصَفْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ‏}‏ حَظْرٌ لِأَخْذِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطَّلاَقِ قَبْلَ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ الدُّخُولُ فَيَأْخُذُ نِصْفَهُ بِمَا جَعَلَ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَيْسَ بِحَظْرٍ مِنْهُ إنْ دَخَلَ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حَظَرَ أَخْذَهُ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا وَهِيَ طَيِّبَةُ النَّفْسِ بِهِ فَقَدْ أَذِنَ بِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَالْحَالُ الَّتِي أَذِنَ بِهِ فِيهَا مُخَالِفَةٌ الْحَالَ الَّتِي حَرَّمَهُ فِيهَا فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى طَلاَقِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْإِضْرَارِ بِهَا مَضَى عَلَيْهِ الطَّلاَقُ وَرَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا‏.‏

الْوَجْهُ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ كَمَا نَهَاهُ فِي الْآيِ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَى الْمَرْأَةَ شَيْئًا ‏{‏إلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَأَبَاحَ لَهُمَا إذَا انْتَقَلَتْ عَنْ حَدِّ اللَّاتِي حَرَّمَ أَمْوَالَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لِخَوْفِ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ لَمْ يُحَدِّدْ فِي ذَلِكَ أَنْ لاَ يَأْخُذَ إلَّا مَا أَعْطَاهَا وَلاَ غَيْرَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَحِلُّ مَا تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلاَلَةٌ عَلَى إبَاحَةِ مَا كَثُرَ مِنْهُ وَقَلَّ لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عَلَى بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ‏؟‏ فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا شَأْنُك قَالَتْ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ حَبِيبَةَ أَنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُو شَيْئًا بِبَدَنِهَا فِي الْغَلَسِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يُخْرِجُهُمَا إلَى خَوْفِ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ تَأْدِيَةِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْكَرَاهِيَةِ لَهُ أَوْ عَارِضٌ مِنْهَا فِي حُبِّ الْخُرُوجِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ فَلَمَّا وَجَدْنَا حُكْمَ اللَّهِ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْئًا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْحَالَ الَّتِي أَبَاحَ بِهَا لِلزَّوْجِ الْأَخْذَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحَالُ الْمُخَالِفَةُ الْحَالِ الَّتِي حَرُمَ بِهَا الْأَخْذُ، تِلْكَ الْحَالُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُبْتَدِئَةُ الْمَانِعَةُ لِأَكْثَرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا مِنْهَا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ تَطْلُبَ الْفِدْيَةَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَافْتِدَاؤُهَا مِنْهُ شَيْءٌ تُعْطِيهِ مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا‏}‏ الْآيَةُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالُ الَّتِي تُخَالِفُ هَذِهِ الْحَالَ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَبْذُلْ فِيهَا الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ وَالْحَالُ الَّتِي يَتَدَاعَيَانِ فِيهَا الْإِسَاءَةَ لاَ تُقِرُّ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ كَمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا فِعْلٌ تَبْدَأُ بِهِ الْمَرْأَةُ يَخَافُ عَلَيْهِمَا فِيهِ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ لاَ أَنَّ خَوْفًا مِنْهُمَا بِلاَ سَبَبٍ فُعِلَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ تَأْدِيَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَالَ مِنْهَا الزَّوْجُ مَالَهُ مِنْ أَدَبٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْفِدْيَةَ وَذَلِكَ أَنَّ حَبِيبَةَ جَاءَتْ تَشْكُو شَيْئًا بِبَدَنِهَا نَالَهَا بِهِ ثَابِتٌ ثُمَّ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَفْتَدِيَ وَأَذِنَ لِثَابِتٍ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ حَبِيبَةَ كَانَتْ لِثَابِتٍ وَأَنَّهَا تَطَوَّعَتْ بِالْفِدَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعِدَّتُهَا إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ نَاكِحٍ كَانَ يُعَدُّ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا فَالْعِدَّةُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بَعْدُ فَقَالَ يَتَزَوَّجُهَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ يَتَرَاجَعَا‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَهْمَانَ مَوْلَى الأسلميين عَنْ أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ ثُمَّ أَتَيَا عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا فَهُوَ مَا سَمَّيْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَعْرِفُ جَهْمَانَ وَلاَ أُمَّ بَكْرَةَ بِشَيْءٍ يَثْبُتُ بِهِ خَبَرُهُمَا وَلاَ يَرُدُّهُ، وَبِقَوْلِ عُثْمَانَ نَأْخُذُ وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ أَنِّي رَجَعْت الطَّلاَقَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ شَبِيهًا أَنْ يَقُولَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ هِيَ فَسْخُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا وَفَسْخُ مَا كَانَ عَلَيْهَا لاَ يَكُونُ إلَّا بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَكُلُّ أَمْرٍ نُسِبَ فِيهِ الْفُرْقَةُ إلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا إنَّمَا الطَّلاَقُ مَا أُحْدِثَ وَالْعُقْدَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَأَحْسَبُ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ الْخُلْعَ يَكُونُ فَسْخًا إنْ لَمْ يُسَمَّ طَلاَقًا وَلَيْسَ هَكَذَا حُكْمُ طَلاَقِ غَيْرِهِ فَهُوَ يُفَارِقُ الطَّلاَقَ بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِهِ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وَفِي غَيْرِ شَيْءٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ ذَهَبَ الْمَذْهَبَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ كَانَ صَحِيحًا فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إحْدَاثُ طَلاَقٍ فِيهِ فَإِذَا أَحْدَثَ فِيهِ فُرْقَةً عُدَّتْ طَلاَقًا وَحُسِبَتْ أَقَلَّ الطَّلاَقِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى أَكْثَرُ مِنْهَا وَإِنَّمَا كَانَ لاَ رَجْعَةَ لَهُ بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضًا وَالْعِوَضُ هُوَ ثَمَنٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الثَّمَنَ وَيَمْلِكَ الْمَرْأَةَ وَمَنْ مَلَكَ ثَمَنًا لِشَيْءٍ خَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّجْعَةُ فِيمَا مَلَكَهُ غَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ‏:‏ هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَوْ لَسْت أَجِدُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ يَنْفَسِخُ فِي رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

وَفِي الْأَمَةِ تَعْتِقُ وَفِي امْرَأَةِ الْعِنِّينِ تَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ فِي الْمَرْأَةِ يُوجَدُ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ وَالرَّجُلُ يُوجَدُ بِهِ أَحَدُ ذَلِكَ فَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ فِي الْمُقَامِ أَوْ الْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا الْفُرْقَةُ فَسْخٌ لاَ إحْدَاثُ طَلاَقٍ فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْفِدْيَةِ وَأَذِنَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فَاسِخَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا لَزِمَهُ مَا طَلَّقَ وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ فِي وَاحِدَةٍ وَلاَ اثْنَتَيْنِ لِلثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهَا طَلاَقٌ وَذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمَةٍ خُلْعٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَمْلِكُ شَيْئًا وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا مِنْ الْحَرَائِرِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مَالُ امْرَأَةٍ جَائِزَةِ الْأَمْرِ فِي مَالِهَا بِالْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَالْحُرِّيَّةِ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي طَلاَقِ الْمُخْتَلِعَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمُخْتَلِعَةِ فَقَالَ إذَا طَلُقَتْ فِي الْعِدَّةِ لَحِقَهَا الطَّلاَقُ فَسَأَلْته هَلْ يَرْوِي فِي قَوْلِهِ خَبَرًا‏؟‏ فَذَكَر حَدِيثًا لاَ تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَلاَ عِنْدَهُ فَقُلْت هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرُ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ عِنْدَك لاَ يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِي أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَلْزَمُهَا‏؟‏ قُلْت حُجَّتِي فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَلْزَمُهَا قَالَ وَأَيْنَ الْحُجَّةُ مِنْ الْقُرْآنِ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏}‏ أَفَرَأَيْت لَوْ قَذَفَهَا أَيُلاَعِنُهَا‏؟‏ أَوْ آلَى مِنْهَا أَيَلْزَمُهُ الْإِيلاَءُ‏؟‏ أَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا أَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ أَوْ مَاتَتْ أَيَرِثُهَا أَوْ مَاتَ أَتَرِثُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَلاَ إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْخَمْسَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَحُكْمُ اللَّهِ أَنَّهُ إنَّمَا تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ‏}‏ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ كِتَابُ اللَّهِ إذَا كَانَ كَمَا زَعَمْنَا وَزَعَمْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ خِلاَفُ قَوْلِكُمْ‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالاَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا قَالاَ لاَ يَلْزَمُهَا طَلاَقٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ مَا لاَ يَمْلِكُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك لاَ تُخَالِفُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إلَى قَوْلٍ مِثْلِهِ فَخَالَفْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ مَعًا وَآيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدًا لَوْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِك هَذَا لَقُلْت لَهُ مَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ وَأَنْتَ تَجْهَلُ أَحْكَامَ اللَّهِ ثُمَّ قُلْت فِيهَا قَوْلاً لَوْ تَخَاطَأْتَ فَقُلْته كُنْت قَدْ أَحْسَنْت الْخَطَأَ وَأَنْتَ تَنْسِبُ نَفْسَك إلَى النَّظَرِ قَالَ وَمَا هَذَا الْقَوْلُ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ إنْ قَالَ لِلْمُخْتَلِعَةِ أَنْتِ بَتَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَخَلِيَّةٌ يَنْوِي الطَّلاَقَ لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلاَقُ وَهَذَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ وَلاَ يَنْوِيهَا وَلاَ غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ لَهُ ثُمَّ قُلْت وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ‏.‏

الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا‏}‏ الْآيَةُ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ خَوْفِ الشِّقَاقِ الَّذِي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرُ الآيَةِ فَمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ مَعًا حَتَّى يَشْتَبِهَ فِيهِ حَالُهُمَا الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ أَنْ يَصْطَلِحَا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّ ذَلِكَ بِرِضًا مِنْ الْمَرْأَةِ وَحَظَرَ أَنْ يَأْخُذَ لِرَجُلٍ مِمَّا أَعْطَى شَيْئًا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ فَلَمَّا أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا وَكَانَ يَعْرِفُهُمَا بِإِبَانَةِ الْأَزْوَاجِ أَنْ يَشْتَبِهَ حَالُهُمَا فِي الشِّقَاقِ فَلاَ يَفْعَلُ الرَّجُلُ الصَّفْحَ وَلاَ الْفُرْقَةَ وَلاَ الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلاَ الْفِدْيَةَ أَوْ تَكُونُ الْفِدْيَةُ لاَ تَجُوزُ مِنْ قِبَلِ مُجَاوَزَةِ الرَّجُلِ مَالَهُ مِنْ أَدَبِ الْمَرْأَةِ وَتَبَايُنِ حَالِهِمَا فِي الشِّقَاقِ وَالتَّبَايُنُ هُوَ مَا يَصِيرَانِ فِيهِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمَا وَلاَ يَحْسُنُ وَيَمْتَنِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا وَلاَ يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلاَ يَتَطَوَّعَانِ وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ فِي مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا فَإِذَا كَانَ هَذَا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَلاَ يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ إلَّا مَأْمُونَيْنِ وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يَجْمَعَا أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَرِيرَة عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الآيَةِ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا‏}‏ ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا‏؟‏ عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي وَقَالَ الرَّجُلُ أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلاَ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه كَذَبْت وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ قَالَ فَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ دُونَ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِحُكْمِهِمَا وَعَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إنَّمَا هُمَا وَكِيلاَنِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْفُرْقَةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه دُونَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَعَثَ هُوَ حَكَمَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ فَيَجُوزَ حُكْمُهُمَا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، كَمَا يَجُوزُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الَّذِي يُصَيِّرُهُ الْإِمَامُ فَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَاكِمًا أَكْثَرُ مَعْنًى أَوْ يَكُونَا كَالشَّاهِدَيْنِ إذَا رَفَعَا شَيْئًا إلَى الْإِمَامِ أَنْفَذَهُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَقُولُ ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ أَيْ دُلُّونِي مِنْكُمْ عَلَى حَكَمَيْنِ صَالِحَيْنِ كَمَا تَدُلُّونِي عَلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ قُلْنَا الظَّاهِرُ مَا وَصَفْنَا وَاَلَّذِي يَمْنَعُنَا مِنْ أَنْ نُحِيلَهُ عَنْهُ مَعَ ظُهُورِهِ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِلزَّوْجِ كَذَبْت وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا إلَّا بِأَنْ يُفَوِّضَ الزَّوْجَانِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فَوَّضَتْ وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ تَفْوِيضِ الطَّلاَقِ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه كَذَبْت حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ وَإِنْ رَأَيَاهُ وَلَوْ كَانَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ أَوْ تَفْوِيضِ الْمَرْأَةِ لَقَالَ لَهُ لاَ أُبَالِي أَقَرَرْت أَمْ سَكَتَّ وَأَمَرَ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِمَا رَأَيَا‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ أَصْبِرْ لِي وَأُنْفِقُ عَلَيْك فَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ‏؟‏ فَيَسْكُتُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا وَهُوَ بَرِمٌ فَقَالَتْ أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ عَلَى يَسَارِك فِي النَّارِ إذَا دَخَلَتْ فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَجَاءَتْ عُثْمَانَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَأَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَُفَرِّقَنِّ بَيْنَهُمَا وَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَا كُنْت لِأُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ فَأَتَيَاهُمَا فَوَجَدَاهُمَا قَدْ شَدَّا عَلَيْهِمَا أَثْوَابَهُمَا وَأَصْلَحَا أَمْرَهُمَا‏.‏

وَهَذَا يُشْبِهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَلاَ تَرَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ ذَهَبَا وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَمُعَاوِيَةُ يَقُولُ لاَ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا وَجَدَاهُمَا قَدْ اصْطَلَحَا رَجَعَا وَذَلِكَ أَنَّ اصْطِلاَحَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ جَاءَهُمَا فَسَخَا وِكَالَتَهُمَا فَرَجَعَا وَلَمْ تَعُدْ الْمَرْأَةُ وَلاَ الرَّجُلُ إلَى الشِّقَاقِ عَلِمْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏:‏ وَلَوْ عَادَ الشِّقَاقُ عَادَا لِلْحَكَمَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى أَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ شَأْنَهُمَا بَعْدَ مَرَّةٍ وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرُ وَاحِدٍ فِي الْحَكَمَيْنِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَكَالَةُ الْحَكَمَيْنِ فِي الْفُرْقَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالاَتِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِلْوَكَالاَتِ أَصْلاً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ الْحُكْمَ دُونَهُ مَنْ لَيْسَ يَلِيه إلَّا بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ وَأَنْ يُوَلُّوا الْحَكَمَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ قَالَ وَلَوْ فَوَّضْنَا مَعَ الْخُلْعِ وَالْفُرْقَةِ إلَى الْحَكَمَيْنِ الْأَخْذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَى الْحَكَمَيْنِ الِاجْتِهَادُ إنْ رَأَيَا الْجَمْعَ فِي الْأَخْذِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَرَيَانِهِ صَلاَحًا لَهُمَا إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَخْلاَقِهِمَا وَمَذَاهِبِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِأَمْرِهِمَا وَالْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ وَكَانَ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَيْهِمَا مِثْلُ الْفُرْقَةِ أَوْ أَوْلَى مِنْ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَازَتْ تَوْلِيَتُهُمَا لَهُمَا الْفُرْقَةَ جَازَ الْأَخْذُ بِتَوْلِيَتِهِمَا وَعَلَى السُّلْطَانِ إنْ لَمْ يَرْضَيَا بِحَكَمَيْنِ عِنْدِي أَنْ لاَ يُجِيزَهُمَا عَلَى حَكَمَيْنِ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمَا فَيَأْخُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَيُجْبِرُ الْمَرْأَةَ عَلَى مَا عَلَيْهَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يُعَاقِبَ أَيَّهُمَا رَأَى إنْ امْتَنَعَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَوْجِبُ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى الْحَكَمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا‏.‏

حَبْسُ الْمَرْأَةِ لِمِيرَاثِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ إلَى‏:‏ ‏{‏كَثِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ يُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يُكْرِهُ الْمَرْأَةَ فَيَمْنَعُهَا كَرَاهِيَةً لَهَا حَقَّ اللَّهِ فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْبِسُهَا مَانِعًا لِحَقِّهَا لِيَرِثَهَا مِنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا بِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا عَلَى الْمَنْعِ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحَرَّمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ أَنْ يَعْضُلُوا النِّسَاءَ لِيَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا أُوتِينَ وَاسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَإِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَهِيَ الزِّنَا فَأَعْطَيْنَ بِبَعْضِ مَا أُوتِينَ لِيُفَارِقْنَ حَلَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَكُنْ مَعْصِيَتُهُنَّ الزَّوْجَ فِيمَا يَجِبُ لَهُ بِغَيْرِ فَاحِشَةٍ أَوْلَى أَنْ نُحِلَّ مَا أَعْطَيْنَ مِنْ أَنْ يَعْصِينَ اللَّهَ وَالزَّوْجَ بِالزِّنَا وَأَمَرَ اللَّهُ فِي اللَّاتِي يَكْرَهْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَلَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَنْ يُعَاشَرْنَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ بِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ وَإِجْمَالِ الْعِشْرَةِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَأَبَاحَ عِشْرَتَهُنَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يَجْعَلُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ الْأَجْرُ فِي الصَّبْرِ وَتَأْدِيَةِ الْحَقِّ إلَى سِنٍّ يُكْرَهُ أَوْ التَّطَوُّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَغْتَبِطُ وَهُوَ كَارِهٌ لَهَا بِأَخْلاَقِهَا وَدِينِهَا وَكَفَاءَتِهَا وَبَذْلِهَا وَمِيرَاثٍ إنْ كَانَ لَهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا بَعْدَ الْغِبْطَةِ بِهَا‏.‏

الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ بِالطَّلاَقِ وَالْفَسْخِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وُجُوهٌ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْفُرْقَةِ وَيَفْتَرِقُ بِهَا أَسْمَاءٌ دُونَ اسْمِ الْفُرْقَةِ فَمِنْهَا الطَّلاَقُ، وَالطَّلاَقُ مَا ابْتَدَأَهُ الزَّوْجُ فَأَوْقَعَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِطَلاَقٍ صَرِيحٍ أَوْ كَلاَمٍ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلاَقَ، وَكَذَلِكَ مَا جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ مِنْ أَمْرِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا فَطَلَّقَهَا فَهُوَ كَطَلاَقِهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَقَعَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الطَّلاَقُ فِيهِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِمَّنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ الزَّوْجُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَةَ الْمُطَلَّقَةِ مَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَكَذَلِكَ إنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَحَلَفَ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَرِيَّةٌ فَحَلَفَ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لاَ يَكُونُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ بَائِنٌ أَبَدًا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَدْخُولاً بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت‏؟‏ قُلْت الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ قَالَ‏:‏ فَأَوْجَدَنِي مَا ذَكَرْته قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إصْلاَحًا‏}‏ وَقُلْت أَمَا يَتَبَيَّنُ لَك فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ لَمْ يَأْتِ عَلَى جَمِيعِ الطَّلاَقِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يُخَصِّصْ مُطَلِّقًا دُونَ مُطَلِّقٍ وَلاَ مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ‏.‏ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ مَنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَبِالتَّسْرِيحِ مَنْ لَهُ أَنْ يُسَرِّحَ قَالَ‏:‏ فَمَا التَّسْرِيحُ هَا هُنَا قُلْت تَرْكُ الْحَبْسِ بِالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ تَسْرِيحٌ بِمُتَقَدِّمِ الطَّلاَقِ وَقُلْت لَهُ‏:‏ إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَيْضًا كَهُوَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ قَالَ فَاذْكُرْهُ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِتَعْتَدُوا‏}‏ قَالَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏‏؟‏ قُلْت يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ، قَالَ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا‏}‏ فَلاَ يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ وَالسَّرَاحِ إلَّا مَنْ هَذَا إلَيْهِ ثُمَّ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْرُوفٍ وَهَذِهِ كَالآيَةِ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ قَالَ وَتَقُولُ هَذَا الْعَرَبُ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ‏.‏ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ فَلِمَ قُلْت‏:‏ إنَّهَا تَكُونُ لِلْأَزْوَاجِ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ إلَى ‏{‏أَنْ يَتَرَاجَعَا‏}‏ قَالَ فَلِمَ قُلْت فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ‏؟‏ وَقُلْت فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ وَالْكَلاَمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ ‏{‏بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ يَحْتَمِلُ قَارَبْنَ الْبُلُوغَ وَبَلَغْنَ فَرَغْنَ مِمَّا عَلَيْهِنَّ فَكَانَ سِبَاقُ الْكَلاَمِ فِي الْآيَتَيْنِ دَلِيلاً عَلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الطَّلاَقِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا‏}‏ فَلاَ يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ إلَّا مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَفْعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مَا شِئْنَ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَهُوَ كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ هَذَا مِنْ أَبْيَنِهِ وَأَقَلِّهِ خَفَاءً لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بِسِيَاقِ الْكَلاَمِ فِيهِمَا‏.‏ وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي الْمُتَوَفَّى فِي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَيَحِلَّ نِكَاحُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَالَ وَمَا السُّنَّةُ فِيهِ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ «أَنَّ ركامة بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً‏؟‏ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ فَمَا الْأَثَرُ فِيهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَوْ يَحْتَاجُ مَعَ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِهِمَا‏؟‏ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك أَثَرٌ فَلاَ عَلَيْك أَنْ تَذْكُرَهُ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ قَدْ فَعَلْته قَالَ فَقَرَأَ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا‏}‏ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت قَدْ فَعَلْته قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ لاَ تَبُتُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِلتُّومَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلْمُطَّلِبِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ احْلِفْ فَقَالَ أَتَرَانِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَعُ فِي الْحَرَامِ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ‏؟‏ فَقَالَ لَهُ احْلِفْ فَحَلَفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ يَدِينُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ثَلاَثًا فَهِيَ ثَلاَثٌ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ شُرَيْحًا دَعَاهُ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَاسْتَعْفَاهُ شُرَيْحٌ فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ فَقَالَ أَمَّا الطَّلاَقُ فَسُنَّةٌ، وَأَمَّا الْبَتَّةُ فَبِدْعَةٌ، فَأَمَّا السُّنَّةُ فَالطَّلاَقُ فَأَمْضُوهَا وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالْبَتَّةُ فَقَلِّدُوهُ إيَّاهَا وَدَيِّنُوهُ فِيهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ خَلَوْت مِنِّي وَقَوْلُهُ‏:‏ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أَوْ بَرِئْت مِنِّي أَوْ يَقُولُ أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ بِنْت مِنِّي قَالَ سَوَاءٌ قَالَ عَطَاءٌ أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَسُنَّةٌ لاَ يَدِينُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الطَّلاَقُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أَوْ بَائِنَةٌ‏؟‏ فَذَلِكَ مَا أَحْدَثُوا فَيَدِينُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الطَّلاَقَ فَهُوَ الطَّلاَقُ وَإِلَّا فَلاَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أَوْ أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِئْت مِنِّي أَوْ بِنْت مِنِّي قَالَ يَدِينُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ الطَّلاَقَ فَهُوَ الطَّلاَقُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ فَمَا الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْت الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ كُلُّ مَا حُكِمَ فِيهِ بِالْفُرْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يُرِدْهَا وَمَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ لاَ تُوقَعَ عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ أُوقِعَتْ فَهَذِهِ فُرْقَةٌ لاَ تُسَمَّى طَلاَقًا لِأَنَّ الطَّلاَقَ لَيْسَ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ لَمْ يَقُلْهُ وَلَمْ يَرْضَهُ بَلْ يُرِيدُ رَدَّهُ وَلاَ يُرَدُّ قَالَ‏:‏ وَمِثْلُ مَاذَا‏؟‏ قُلْت مِثْلُ الْأَمَةِ تَعْتِقُ عِنْدَ الْعَبْدِ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْعِنِّينِ فَيُؤَجَّلُ سَنَةً فَلاَ يَمَسُّ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ فَهَاتَانِ الْفِرْقَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا صُيِّرَتَا لِلْمَرْأَتَيْنِ بِعِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ فِي الزَّوْجِ وَالْعَجْزِ فِيهِ وَلَيْسَ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَنْتَسِبَ حُرًّا فَيُوجَدَ عَبْدًا فَتُخَيَّرُ فَتُفَارِقُهُ وَيَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَتَجِدُهُ أَجْذَمَ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَبْرَصَ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ قَالَ‏:‏ أَفَتَعُدُّ شَيْئًا مِنْ هَذَا طَلاَقًا‏؟‏ قُلْت لاَ هَذَا فَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ لاَ إحْدَاثُ طَلاَقٍ فِيهَا‏.‏ وَمِثْلُ الزَّوْجَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَلاَ يُسْلِمُ الْآخَرُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا‏؟‏ قُلْت الْعَبْدُ يَبْتَاعُهُ فَيَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَيَكُونُ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَرَدُّهُ فَسْخُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ اسْتِئْنَافُ بَيْعٍ فِيهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ بَيْعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ فُرْقَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفُرْقَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ تَمْلِيكِ الزَّوْجِ إيَّاهَا لاَ تَكُونُ إلَّا فَسْخَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الطَّلاَقَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَلاَثًا لاَ تَحِلُّ النِّسَاءُ بَعْدَهُ إلَّا بِزَوْجٍ وَهُوَ إلَى الرِّجَالِ لاَ إلَى النِّسَاءِ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ فَرَّقَهُ غَيْرُ هَذَا‏؟‏ قُلْت نَعَمْ كُلُّ مَا عُقِدَ فَاسِدًا مِنْ نِكَاحٍ، مِثْلُ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَنِكَاحِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ النِّكَاحِ كُلُّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ يَحِلُّ فِيهِ الْجِمَاعُ بِالْعَقْدِ وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ فَسْخُهُ زَوْجٍ وَلاَ زَوْجَةٍ وَلاَ وَلِيٍّ فَكُلُّ مَا كَانَ هَكَذَا فَالنِّكَاحُ فِيهِ فَاسِدٌ يُفَرِّقُ الْعُقْدَةَ وَلَمْ تُعَدُّ الْفُرْقَةُ طَلاَقًا وَلَكِنَّهُ فَسْخُ الْعَقْدِ، قَالَ فَهَلْ مِنْ تَفْرِقَةٍ غَيْرِ هَذَا‏؟‏ قُلْت نَعَمْ رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ إسْلاَمُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ مُقِيمٌ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ أَنْ يَغْشَوْا الْمُؤْمِنَاتِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ غَشَيَانُ الْكَوَافِرِ سِوَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِرَاقًا مِنْ الزَّوْجِ هَذَا فَسْخٌ كُلُّهُ قَالَ فَهَلْ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْفُرْقَةِ غَيْرِ هَذَا‏؟‏ قُلْت نَعَمْ الْخُلْعُ قَالَ فَمَا الْخُلْعُ عِنْدَك‏؟‏ فَذَكَرَتْ لَهُ الِاخْتِلاَفَ فِيهِ، قَالَ فَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَفَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ قَالَ وَلِمَ وَالطَّلاَقُ مِنْهُ لَوْ أَرَادَ لَمْ يُوقِعْهُ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَالْفِدْيَةُ مِمَّنْ مَلَكَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لاَ تَكُونُ إلَّا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا بِالْفِدْيَةِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ثُمَّ يَمْلِكَ عَلَيْهَا أَمْرَهَا بِغَيْرِ رِضًا مِنْهَا أَلاَ تَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ يُخْرِجُهُ مِنْ يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى مَا أَخْرَجَ مِنْ يَدَيْهِ لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِوَضِ وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ حِينَ جَاءَتْهُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ لاَ تَأْخُذْ مِنْهَا إلَّا فِي قَبْلِ عِدَّتِهَا كَمَا أَمَرَ الْمُطَلِّقُ غَيْرَهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ طَلاَقًا يُطَلِّقُهَا إيَّاهُ وَرَأَى رِضَاهُ بِالْأَخْذِ مِنْهَا فُرْقَةً، وَالْخُلْعُ اسْمٌ مُفَارِقٌ لِلطَّلاَقِ وَلَيْسَ الْمُخْتَلِعُ بِمُبْتَدِئٍ طَلاَقًا إلَّا بِجُعْلٍ وَالْمُطَلِّقُونَ غَيْرُهُ لَمْ يَسْتَعْجِلُوا، وَقُلْت لَهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ الْآيَةُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏جَمِيلاً‏}‏ أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَك مُعَارِضٌ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا‏؟‏ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَالَ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ وَاحِدَةً فَيُمْسِكُهَا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ‏}‏ وَقَوْلُهُ فِي الْعِدَّةِ ‏{‏أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ‏}‏ فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مُعْتَدَّةً بِحُكْمِ اللَّهِ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا قَصَدَ بِالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَصْدَ الْمُعْتَدَّاتِ وَكَانَ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُجْمَلِ وَيَفْتَرِقُ بِافْتِرَاقِ حَالِ الْمُطَلَّقَاتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ فَمَا مَنَعَك مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَهَا مُفْتَدِيَةً وَبِأَنَّ هَذَا طَلاَقٌ بِمَالٍ يُؤْخَذُ وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَلَكَ الرَّجْعَةَ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ‏؟‏ قَالَ هَذَا هَكَذَا لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ أَجْعَلَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِ مَالاً كَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ‏.‏

وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِشَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ سَبِيلٌ كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ مِمَّا أَخْرَجَهُ إلَيْهِ مَالِكُهُ لِمَالِكِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ فَأَوْجَدَنِي اللَّفْظُ الَّذِي يَكُونُ فِرَاقًا فِي الْحُكْمِ لاَ تُدِينُهُ فِيهِ، قُلْت لَهُ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ سَرَاحٌ أَوْ قَدْ سَرَّحْتُك أَوْ قَدْ فَارَقْتُك، قَالَ فَمِنْ أَيْنَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْحُكْمِ وَبَيْنَ مَا سِوَاهُنَّ وَأَنْتَ تُدِينُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِيهِنَّ كَمَا تُدِينُهُ فِي غَيْرِهِنَّ‏؟‏ قُلْت‏:‏ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِنَّ الطَّلاَقَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ‏}‏ الْآيَةُ فَهَؤُلاَءِ الْأُصُولُ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِمَّا لَمْ يُسَمَّ طَلاَقًا فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَثَرٍ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى صَاحِبَهُ طَلاَقًا مَعَ قَوْلٍ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ كَانَ طَلاَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا‏.‏

الْخِلاَفُ فِي الطَّلاَقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّا نُوَافِقُك فِي مَعْنًى وَنُخَالِفُك فِي مَعْنًى، فَقُلْت فَاذْكُرْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُخَالِفُنَا فِيهَا، قَالَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ جُعْلاً عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، قُلْت هَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُ الْعَامَّةِ، قَالَ وَتَقُولُ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ كَلِمَةً غَيْرَ تَصْرِيحِ الطَّلاَقِ فَلَمْ يُرِدْ بِهَا طَلاَقًا فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ قُلْت وَهَذَا قَوْلِي، قَالَ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ الطَّلاَقَ الطَّلاَقَ وَأَرَادَ وَاحِدَةً كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ وَاحِدَةً شَدِيدَةً أَوْ غَلِيظَةً إذَا شَدَّدَ الطَّلاَقَ بِشَيْءٍ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَفَقُلْت هَذَا خَبَرًا أَوْ قِيَاسًا‏؟‏ فَقَالَ قُلْت بَعْضَهُ خَبَرًا وَقِسْت مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى الْخَبَرِ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قُلْت مَا الَّذِي قُلْته خَبَرًا وَقِسْت مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى الْخَبَرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَوْ يُمَلِّكُهَا إنْ اخْتَارَتْهُ فَتَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَتَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ قُلْت أَرَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ جَعَلَ أَلْبَتَّةَ ثَلاَثًا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ أَنْتَ تُخَالِفُ مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت أَنْتَ تَقُولُ إذَا اخْتَارَتْ الْمَرْأَةُ الْمُمَلَّكَةُ أَوْ الَّتِي جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا زَوْجُهَا فَلاَ شَيْءَ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت قَدْ رَوَيْت عَنْهُ حُكْمًا وَاحِدًا خَالَفْت بَعْضَهُ وَرَوَيْت عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَتَّةِ وَالتَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَقُلْت فِي الْبَتَّةِ نِيَّتُهُ فَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ وَهُوَ يَجْعَلُهَا ثَلاَثًا، فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّك جَعَلْت أَلْبَتَّةَ قِيَاسًا عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَهُمَا عِنْدَك طَلاَقٌ لَمْ يُغَلَّظْ وَالْبَتَّةُ طَلاَقٌ قَدْ غُلِّظَ‏؟‏ فَكَيْفَ قِسْت أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ وَعَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْلُك زَعَمْت اعْتَمَدْت‏؟‏ قَالَ فَإِنَى إنَّمَا قُلْت فِي الْبَتَّةِ بِحَدِيثِ رُكَانَةَ فَقُلْت لَهُ أَلَيْسَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتَّةَ فِي حَدِيثِ رُكَانَةَ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَأَنْتَ تَجْعَلُهَا بَائِنًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ شُرَيْحٌ نَقِفُهُ عِنْدَ بِدْعَتِهِ فَقُلْت وَنَحْنُ قَدْ وَقَفْنَاهُ عِنْدَ بِدْعَتِهِ فَلَمَّا أَرَادَ وَاحِدَةً جَعَلْنَاهَا تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كَمَا جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَأَنْتَ رَوَيْت عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَتَّةِ وَاحِدَةً وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ ثَلاَثًا فَخَرَجْت مِنْ قَوْلِهِمْ مَعًا بِتَوَهُّمٍ فِي قَوْلِ شُرَيْحٍ وَشُرَيْحٌ رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ لَيْسَ لَك عِنْدَ نَفْسِك وَلاَ لِغَيْرِك أَنْ يُقَلِّدَهُ وَلاَ لَهُ عِنْدَك أَنْ يَقُولَ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ فِي الْبَتَّةِ ثَلاَثًا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَى الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّهُ إذَا نَطَقَ بِالطَّلاَقِ ثُمَّ قَالَ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِبْتَاتَ وَاَلَّذِي لَيْسَتْ بَعْدَهُ رَجْعَةٌ وَهُوَ ثَلاَثٌ وَمَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةً إذَا لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْهَا ذَهَبَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ كَلِمَةٌ تَحْتَمِلُ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ، وَأَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ يَقِينًا كَمَا تَقُولُ لاَ آتِيك أَلْبَتَّةَ وَأَذْهَبُ أَلْبَتَّةَ وَتَحْتَمِلُ صِفَةَ الطَّلاَقِ فَلَمَّا احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ لَمْ نَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ مَعْنًى يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ بِالتَّوَهُّمِ وَجَعَلْنَا مَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ يُقَابِلُهُ وَقَوْلُك كُلُّهُ خَارِجٌ مِنْ هَذَا مُفَارِقٌ لَهُ قَالَ فَإِنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه لاَ يَكُونُ طَلاَقٌ بَائِنٌ إلَّا خُلْعٌ أَوْ إيلاَءٌ فَقُلْنَا قَدْ خَالَفْته فَجَعَلْت كَثِيرًا مِنْ الطَّلاَقِ بَائِنًا سِوَى الْخُلْعِ وَالْإِيلاَءِ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ أَنْ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَوْلُك فِي الْبَتَّةِ وَرَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مَا يُخَالِفُهُ أَفِي رَجُلٍ أَوْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حُجَّةٌ مَعَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَقَدْ خَالَفْت مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَتَّةِ وَخَالَفْت أَصْحَابَهُ فَلَمْ تَقُلْ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا وَقُلْت لَهُ أَوْ يَخْتَلِفُ عِنْدَك قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ وَمَا شَدَّدَ بِهِ الطَّلاَقَ أَوْ كَنَّى عَنْهُ وَهُوَ يُرِيدُ الطَّلاَقَ‏؟‏ فَقَالَ لاَ كُلُّ هَذَا وَاحِدٌ قُلْت فَإِنْ كَانَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا عِنْدَك فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَدْ خَالَفْت قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ثُمَّ قُلْت فِيهِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً غَلِيظَةً أَوْ شَدِيدَةً كَانَتْ بَائِنًا وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً طَوِيلَةً كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَكِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ صِفَةُ التَّطْلِيقَةِ وَتَشْدِيدٌ لَهَا فَكَيْفَ كَانَ يَمْلِكُ فِي إحْدَاهُمَا الرَّجْعَةَ وَلاَ يَمْلِكُهَا فِي الْأُخْرَى‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ إذَا قَالَ طَوِيلَةً فَهِيَ بَائِنٌ لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ مَا كَانَ لَهَا مَنْعُ الرَّجْعَةِ حَتَّى يُطَوِّلَ ذَلِكَ وَغَلِيظَةً وَشَدِيدَةً لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَمَا كَانَ أَقْرَبَ بِمَا فَرَّقَ إلَى الصَّوَابِ مِنْك‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْت لَهُ لَقَدْ خَالَفْت فِي هَذَا الْقَوْلِ مَعَانِيَ الْآثَارِ مَعَ فِرَاقِك مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ قَالَ فَمِنْ أَصْحَابِك مَنْ يَقُولُ لاَ أَثِقُ بِهِ فِي الطَّلاَقِ قُلْت أُولَئِكَ خَالَفُونَا وَإِيَّاكَ فَإِنْ قُلْت بِقَوْلِهِمْ حَاجَجْنَاك وَإِنْ خَالَفْتهمْ فَلاَ تَحْتَجَّ بِقَوْلِ مَنْ لاَ تَقُولُ بِقَوْلِهِ‏.‏

انْفِسَاخُ النِّكَاحِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا الْعَبْدِ إذَا عَتَقَتْ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ وَكَانَ فِي إحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَعْتِقُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا فَإِذَا مَسَّهَا فَلاَ خِيَارَ لَهَا‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلاَةً لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرْته أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ‏:‏ إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلاَ أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسَّك زَوْجُك قَالَتْ فَفَارَقَتْهُ ثَلاَثًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ فِي تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ فِي الْمُقَامِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ دَلاَئِلَ مِنْهَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ وَإِذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ لِلْأَمَةِ دُونَ زَوْجِهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ فِي فَسْخِ الْعُقْدَةِ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَتْ الْعُقْدَةُ تَنْفَسِخُ فَلَيْسَ الْفَسْخُ بِطَلاَقٍ إنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ الْمَعْدُودَ عَلَى الرِّجَالِ مَا طَلَّقُوهُمْ فَأَمَّا مَا فُسِخَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ لاَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِهِمْ وَلاَ بِفِعْلِهِمْ كَانَ‏.‏

قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَفْسَخَهُ حُرِّيَّةٌ أَوْ اخْتِيَارٌ فِي الْعَبْدِ خَاصَّةً وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلاَقُهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهَا الَّذِي زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِالْعِتْقِ يُخْرِجُهَا مِنْ نِكَاحِ الزَّوْجِ كَانَ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهَا الَّذِي زَوَّجَهَا إلَى رِقٍّ كَرِقِّهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَخْرُجَهَا وَلاَ يَكُونَ لَهَا خِيَارٌ إذَا خَرَجَتْ إلَى الرِّقِّ وَبَرِيرَةُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ رِقِّ مَالِكِهَا إلَى مِلْكِ عَائِشَةَ وَمِنْ مِلْكِ عَائِشَةَ إلَى الْعِتْقِ فَجَمَعَتْ الْخُرُوجَيْنِ مِنْ الرِّقِّ إلَى الرِّقِّ وَمِنْ الرِّقِّ إلَى الْعِتْقِ ثُمَّ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُمَا قَالَ وَلاَ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ عَبْدٍ فَأَمَّا عِنْدَ حُرٍّ، فَلاَ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي خِيَارِ الْأَمَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي خِيَارِ الْأَمَةِ فَقَالَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَقَالُوا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا قَالَ فَقُلْت لَهُ رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا وَهُمَا أَعْلَمُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَنْ رَوَيْت هَذَا عَنْهُ قَالَ فَهَلْ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا‏؟‏ فَقُلْت هِيَ الْمُعْتِقَةُ وَهِيَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ قَدْ ثَبَتَ أَنْتَ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمَا وَنَحْنُ إنَّمَا نُثْبِتُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا قَالَ فَاذْكُرْهُمَا قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ زَوْجُ بَرِيرَةَ فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلاَنٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ يَبْكِي أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا قَالَ فَقَالَ فَلِمَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَلاَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ لِاخْتِلاَفِ حَالَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قَالَ وَمَا اخْتِلاَفُهُمَا‏؟‏ قُلْت لَهُ الِاخْتِلاَفُ الَّذِي لَمْ أَرَ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْهُ قَالَ وَمَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْت إذَا صَارَتْ حُرَّةً لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ لَهَا كُفُؤًا لِنَقْصِهِ عَنْهَا أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ وَلِيًّا لِبِنْتِهِ يُزَوِّجُهَا أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يُوجَبُ بِالنِّكَاحِ عَلَى النَّاكِحِ أَشْيَاءُ لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى كَمَالِهَا وَيَتَطَوَّعُ الزَّوْجُ الْحُرُّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِأَشْيَاءَ لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى كَمَالِهَا‏؟‏ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ زَوْجَهَا وَيَرِثُهَا وَالْعَبْدُ لاَ يَرِثُ وَلاَ يُورَثُ وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ وَلَدِ الْحُرِّ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ لِامْرَأَتِهِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ قَدْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدْلِ عَلَيْهَا وَمِنْهَا أَشْيَاءُ يَتَطَوَّعُ لَهَا بِهَا مِنْ الْمُقَامِ مَعَهَا جُلَّ نَهَارِهِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ يُخَالِفُ فِيهَا الْحُرُّ الْعَبْدَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَقَالَ إنَّا إنَّمَا ذَهَبْنَا فِي هَذَا إلَى أَنَّ خِيَارَ الْأَمَةِ تَحْتَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَنَّهَا نَكَحَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَالِكَةٍ لِأَمْرِهَا وَلَمَّا مَلَكَتْ أَمْرَهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي نَفْسِهَا فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الصَّبِيَّةَ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا فَتَبْلُغُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ أَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَإِذَا زَعَمْت أَنَّك إنَّمَا خَيَّرَتْهَا لِأَنَّ الْعُقْدَةَ كَانَتْ وَهِيَ لاَ خِيَارَ لَهَا فَإِذَا صَارَ الْخِيَارُ لَهَا اخْتَارَتْ لَزِمَك هَذَا فِي الصَّبِيَّةِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا قَالَ فَإِنْ افْتَرَقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ‏؟‏ قُلْت أَوْ يَفْتَرِقَانِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ تَقِيسُهَا عَلَيْهَا وَالصَّبِيَّةُ وَارِثَةٌ مَوْرُوثَةٌ وَهَذِهِ غَيْرُ وَارِثَةٍ وَلاَ مَوْرُوثَةٍ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَقِيسُهَا عَلَيْهَا فِي الْخِيَارِ الَّتِي فَارَقَتْهَا فِيهِ‏؟‏ قَالَ إنَّهُمَا وَإِنْ افْتَرَقَا فِي بَعْضِ أَمْرِهِمَا فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي بَعْضِهِ قُلْت وَأَيْنَ‏؟‏ قَالَ الصَّبِيَّةُ لَمْ تَكُنْ يَوْمَ تَزَوَّجَتْ مِمَّنْ لَهَا خِيَارٌ لِلْحَدَاثَةِ قُلْت وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لِلرِّقِّ قَالَ فَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ لَهَا الْخِيَارُ‏؟‏ قُلْت وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الصَّبِيَّةُ بَالِغَةً قَالَ فَهِيَ لاَ تُشْبِهُهَا قُلْت فَكَيْفَ تُشَبِّهُهَا بِهَا وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ لَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَهُوَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا‏؟‏ قَالَ فَأُشَبِّهُهَا بِالْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ وَهِيَ لاَ تَعْلَمُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا عَلِمَتْ قُلْت هَذَا خَطَأٌ فِي الْمَرْأَةِ هَذِهِ لاَ نِكَاحَ لَهَا وَلَوْ كَانَ مَا قُلْت كَمَا قُلْت كُنْت قَدْ قِسْتهَا عَلَى مَا يُخَالِفُهَا قَالَ وَأَيْنَ مُخَالِفُهَا‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ تَنْكِحُ وَلاَ تَعْلَمُ ثُمَّ تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ أَيَرِثُهَا زَوْجُهَا أَوْ يَمُوتُ أَتَرِثُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَتَجِدُ الْأَمَةَ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا هَلْ يُحِلُّ سَيِّدُهَا جِمَاعَهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَعْتِقُ مَا لَمْ تَخْتَرْ فَسْخَ النِّكَاحِ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَلَوْ عَتَقَتْ فَمَاتَتْ وَرِثَهَا زَوْجُهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاهَا تُشْبِهُ وَاحِدَةً مِنْ الِاثْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَبَّهْتهمَا بِهَا‏؟‏ قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ‏؟‏ قُلْت مَا وَصَفْت لَك فَإِنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ حَلاَلاً جَائِزًا فَلَمْ يَحْرُمْ النِّكَاحُ بِتَحَوُّلِ حَالِ الْمَرْأَةِ إلَى أَحْسَنَ وَلاَ أَسْوَأَ مِنْ حَالِهَا الْأَوَّلِ إلَّا بِخَبَرٍ لاَ يَسَعُ خِلاَفُهُ فَلَمَّا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَخْيِيرِ بَرِيرَةَ وَهِيَ عِنْدَ عَبْدٍ قُلْنَا بِهِ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَلْزَمَنَا اللَّهُ اتِّبَاعَهُ حَيْثُ قَالَ وَقُلْنَا الْحُرُّ خِلاَفُ الْعَبْدِ لِمَا وَصَفْنَا وَأَنَّ الْأَمَةَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الْحُرِّيَّةِ لَمْ تَكُنْ أَحْسَنَ حَالاً مِنْهُ، أَكْثَرُ مَا فِيهَا أَنْ تُسَاوِيَهُ وَهُوَ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَعَتَقَتْ خَرَجَتْ مِنْ مُسَاوَاتِهِ قَالَ وَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا الْحُرَّ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ‏؟‏ فَقُلْت وَكَيْفَ نَقِيسُ بِالشَّيْءِ خِلاَفَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَعْنَى أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْت وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ حَالَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ قَالَ فَلِمَ لاَ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ‏؟‏ قَالَ قُلْت افْتِرَاقُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِي إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَمْرِهِمَا الِافْتِرَاقَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَنَحْنُ نَسْأَلُك قَالَ سَلْ قُلْت مَا تَقُولُ فِي الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تُخَيَّرُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنْ بِيعَتْ تُخَيَّرُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلِمَ وَقَدْ زَالَ رِقُّ الَّذِي زَوَّجَهَا فَصَارَ فِي حَالِهِ هَذِهِ لَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَنْكَحَهَا حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهَا لَمْ يَجُزْ‏؟‏ قَالَ هُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا فِي أَنَّ مِلْكَ الْمُنْكِحِ زَائِلٌ عَنْ الْمُنْكَحَةِ فَحَالُ الْأَمَةِ الْمُنْكَحَةِ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْ رِقٍّ إلَى رِقٍّ وَهِيَ فِي الْعَتَاقَةِ انْتَقَلَتْ مِنْ رِقٍّ إلَى حُرِّيَّةٍ‏.‏ قُلْت فَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا إذَا افْتَرَقَا فِي مَعْنًى وَإِنْ اجْتَمَعَا فِي آخَرَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَتَفْرِيقِي بَيْنَ الْخِيَارِ فِي عَبْدٍ وَحُرٍّ أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت وَأَصْلُ الْحُجَّةِ فِيهِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ حَلاَلاً وَمَا كَانَ حَلاَلاً لَمْ يَجُزْ تَحْرِيمُهُ وَلاَ فَسْخُهُ إلَّا بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي تَخْيِيرِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ لَمْ نُعِدْ مَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ يَحْرُمْ النِّكَاحُ إلَّا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنَّمَا جَعَلَ لِلْأَمَةِ الْخِيَارَ فِي التَّفْرِيقِ وَالْمُقَامِ، وَالْمُقَامُ لاَ يَكُونُ إلَّا وَالنِّكَاحُ حَلاَلٌ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِنَقْصِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعِلَلُ الَّتِي فِيهِ الَّتِي قَدْ يُمْنَعُ فِيهَا مَا يُحِبُّ وَتُحِبُّ امْرَأَتُهُ‏.‏